TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > المولدات والسيارات والمحطات الحرارية.. مثلث التلوث في بغداد!

المولدات والسيارات والمحطات الحرارية.. مثلث التلوث في بغداد!

نشر في: 16 سبتمبر, 2025: 12:08 ص

 بغداد /تبارك عبد المجيد

تواجه العاصمة بغداد، المزدحمة بأكثر من ٨ ملايين نسمة، تحدياً بيئياً متفاقماً يهدد صحة سكانها ويثقل أجواءها بسحب من الملوثات. فبين ضوضاء المولدات الأهلية، وأدخنة السيارات والمطاعم، وانبعاثات المعامل والمحطات الحرارية، تتراكم أشكال متعددة من التلوث الهوائي والضوضائي، لتضع المدينة أمام واقع بيئي خطير.
سُجِّل متوسط تركيز الجسيمات الدقيقة PM2.5 في بغداد عام 2024 نحو 40.5 ميكروغرام/م³، مقابل المعيار العالمي البالغ 5 ميكروغرام/م³ فقط. وفي بعض الأيام تخطت القراءات حاجز 130 ميكروغرام/م³. كما أظهرت التقديرات أن تلوث الهواء يتسبب بما يقارب 12,580 وفاة سنوياً في العاصمة، فيما احتلت بغداد موقعاً متقدماً ضمن قائمة أكثر عشر مدن ملوثة في العالم.
في حديث حول واقع البيئة في العاصمة بغداد، أوضح الخبير في مجال البيئة والتغيرات المناخية صميم سلام أن التلوث الهوائي في المدينة بات يأخذ أشكالاً متعددة، تتداخل فيها مصادر الانبعاثات الصناعية والتجارية والاستهلاكية، ما يضاعف من خطورة الوضع الصحي والبيئي.
وأشار سلام لـ«المدى»، إلى أن المولدات الأهلية المنتشرة فوق أسطح البنايات تُعَدّ من أبرز مسببات التلوث، إذ لا يقتصر تأثيرها على العوادم والغازات المنبعثة منها فحسب، بل تمتد أضرارها إلى الاهتزازات والضوضاء والترددات الصوتية التي تؤثر في المباني وسكانها، مسببةً ما يُعرف بالتلوث الضوضائي إلى جانب التلوث الهوائي. وأضاف أن بعض المطاعم التي تعتمد على الفحم أو حرق الحطب في تجهيز أطعمتها، تسهم هي الأخرى في زيادة نسب تلوث الهواء داخل الأحياء السكنية، خصوصاً عند غياب أي معايير للسلامة البيئية في عملها.
أما فيما يتعلق بوسائل النقل، فقد لفت الخبير إلى أن عدد السيارات داخل بغداد وحدها يتجاوز ثلاثة ملايين سيارة، عدا مئات الآلاف التي تدخل يومياً من المدن الأخرى، وهو ما يخلق زخماً مرورياً خانقاً يؤدي إلى احتراق غير مكتمل للوقود وانبعاث غاز أحادي أكسيد الكربون شديد الخطورة.
ولم يُغفِل سلام الإشارة إلى الانبعاثات الناتجة عن المطارات المدنية والعسكرية، فضلاً عن حرق النفايات العشوائي سواء من قبل الأفراد أو البلديات، وهي ممارسات تضيف طبقة كثيفة من الملوثات في أجواء العاصمة. كما حذّر من المخاطر البيئية الناجمة عن معامل الطابوق والجص والأنشطة الصناعية المنتشرة أحياناً داخل الأحياء السكنية أو بالقرب منها، حيث تُطلق هذه المعامل كميات كبيرة من الانبعاثات غير الخاضعة للرقابة.
وتابع قائلاً إن المحطات الحرارية، مثل محطة الدورة، تسهم بدورها في إطلاق أبخرة وانبعاثات تؤدي إلى تشكّل ما يُعرف بـ«الضباب الدخاني» أو «الغيمة السوداء» التي تغطي سماء بغداد، خصوصاً في ظل غياب التيارات الهوائية القادرة على تفكيك هذه التراكمات. هذه الظاهرة ترفع من معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، والحساسية الجلدية والعينية، إضافة إلى الاختناق.
وفي ما يخص الحلول، شدد على ضرورة تفعيل القوانين الخاصة بحماية البيئة وتطبيقها بحزم، إلى جانب تعزيز دور الشرطة البيئية في مراقبة الأنشطة الملوِّثة. كما دعا إلى استخدام أجهزة حديثة لقياس جودة الهواء وتحديد مصادر الانبعاثات بدقة، مع إلزام المعامل بتركيب فلاتر على المداخن والعوادم، ونقل النفايات إلى مطامر صحية نظامية وفق معايير علمية، مع إمكانية الاستفادة منها في مجالات إعادة التدوير والطاقة البديلة.
وتابع سلام حديثه بالتأكيد على أن مواجهة تحديات التلوث في بغداد تحتاج إلى رؤية استراتيجية شاملة تتكامل فيها الجهود الحكومية والرقابية مع وعي المواطن، بهدف ضمان بيئة صحية وآمنة للأجيال القادمة. وقال عضو في فريق بيئي، علي أحمد سلام، إن «العاصمة بغداد باتت واحدة من أكثر مدن العالم تلوثاً، حيث احتلت بغداد مراراً المراتب الأولى عالمياً في مؤشرات التلوث، ففي آب 2025 تصدرت قائمة المدن الكبرى الأكثر تلوثاً، بينما صنفها تقرير دولي في أيلول ضمن أكثر مدينة ملوثة في العالم، في حين جرى تصنيف العراق ككل سادس دولة في العالم من حيث تلوث الهواء».
وأشار سلام لـ«المدى»، إلى أن «الآثار الصحية باتت مقلقة للغاية، إذ تؤكد بيانات وزارة الصحة ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الربو، وضيق التنفس، والسعال المزمن، فضلاً عن إصابات جلدية والتهابات العيون، مع تزايد المخاطر على الأطفال وكبار السن بشكل خاص».
وبيّن أن «مصادر التلوث الرئيسية تشمل المولدات الأهلية التي تعمل بوقود ثقيل، وعوادم المركبات القديمة، وحرق النفايات، إلى جانب المصانع والمصاهر غير المرخصة التي تفتقر إلى أبسط معايير السلامة البيئية، ناهيك عن العواصف الترابية التي تزيد من تعقيد المشهد».
ولفت إلى أن «الحكومة اتخذت بعض الإجراءات مثل إغلاق 144 مصهراً معدنياً غير مرخص في بغداد، وتوسيع حملات التشجير، إضافة إلى جهود وزارة النفط التي رفعت نسبة استغلال الغاز المصاحب إلى 67 % بهدف الوصول إلى 70 % بنهاية 2025، غير أن هذه الخطوات ما زالت متواضعة أمام حجم التحدي».
وأكد أن «المجتمع الدولي بدأ يتحرك لدعم العراق، إذ وافق البنك الدولي على مشروع بقيمة 18.5 مليون دولار للتعامل مع الملوثات الكيميائية والعضوية الثابتة وحماية صحة ملايين المواطنين، كما انضم العراق إلى التزامات دولية لخفض انبعاثات الميثان بحلول 2030».
وتابع سلام بالقول: «إن استمرار التلوث بهذا المستوى يعني مزيداً من الوفيات والأعباء الصحية والاقتصادية، وعليه فإن المطلوب هو إعلان حالة طوارئ بيئية، ووضع إستراتيجية وطنية عاجلة تُلزم جميع القطاعات بخفض الانبعاثات، وتضع حياة المواطن وصحته فوق كل اعتبار».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram