غي هارشير ترجمة: رشا الصباغ(الجزء التاسع)سعياً لوعي ينفتح على مديات تنويرية هي من مستلزمات البناء الديمقراطي الجديد، وتحصيلاً لفائدة الاطلاع على تجارب العالم في الارتقاء بالانسان وحقوقه، تعيد آراء وأفكار نشر كتاب العلمانية، على حلقات، للكاتب غي هارشير وبترجمة رشا الصباغ.
وقد ظهر توازن عدديّ جديد بين الكاثوليك والبروتستانت مردُّه كون ألمانيا الشيوعيّة (RDA) بمجموعها ذات ثقافة بروتستانتيّة. والجدير بالذكر أنّ قانون 1949 الأساسيّ3 يحيل إلى الله: (الشعب الألماني... مدركٌ مسؤوليته أمام الله وأمام الناس...) تتمتع الكنائس إذن باستقلال تنظيميّ كلّي. وهي (هيئات للقانون العامّ)، سُوّيت أوضاعها بموجب اتفاقات مع الدولة الفيدراليّة، وفي الغالب، مع المقاطعات Lander. إنّها تتلقى 10% من الضريبة على الدخل، وهي لذلك ذات شأن لا يستهان به. كما أنّها تشارك على سبيل المثال في المنظّمات المتحكّمة بالمكاتب الإقليمية للإذاعة والتلفزيون. بإيجاز، تشكّل الكنائس في ألمانيا جزءاً من الحياة العامّة. ولقد خلقت إعادة توحيد البلاد في عام 1991 علاقة قوى جديدة، ذلك أنّ سكّان ألمانيا الشرقية ذوو تراث بروتستانتيّ، إضافة إلى أنّ خمسين عاماً من الشيوعيّة قد خلّفت وراءها تيّاراً (لا دينيّاً) قويّاً.الدين كعامل في تشكيل الهويّة الوطنيّة لمواجهة العدوّ الخارجيّ يشكّل الدين في إيرلندا وفي اليونان، لحمةَ الهوّيّة الوطنيّة في مواجهة عدو (إمبريالي) (الكاثوليكيّة الإيرلنديّة ضدّ بريطانيا العظمى البروتستانتيّة؛ والأورثوذكسيّة اليونانيّة ضدّ الإسلام وتركيا).1- إيرلندا- لم تتماهَ معركة تقرير المصير في إيرلندا مع القضيّة الكاثوليكيّة إلاّ في القرن العشرين: فقد قدّمت البرجوازيّة البروتستانتيّة في القرن التاسع عشر قادة وطنيين على قدر كبير من الأهميّة كتشارلز بارنيل. كما قاد تنظيمُ الـ (الشباب الإيرلندي) تمرّدَ1848، وكان شعاره العلم المثلّث الألوان الذي ترمز ألوانه إلى حلمه الوحدويّ، حيث يمثّل الأخضر فيه الكاثوليك، والبرتقالي البروتستانت، بينما يمثّل الأبيض "الهدنة الدائمة" بينهما). ولقد كانت الدولة الحرّة التي أُسِّست في 1921 حياديّة من الناحية الدينية. بالمقابل جرى الأمر بشكل مختلف بالنسبة للجمهوريّة: فقد قاد الزعيم الكاثوليكيّ دي فاليرا بين 1921- 1937 الكفاح من أجل الاستقلال التامّ، وبات للكنيسة ثقل كبير كان لا يني يزداد باطّراد. في عام 1929، مُنعت مؤلّفات العديد من الكتّاب- من بينهم إيرلنديّون مثل جورج برنارد شو وجورج مور وسين أوكازي وجيمس جويس وليام أوفلاهرتي- وأخيراً، رسم دستور 1937 الطابعَ الكاثوليكي للأمّة الإيرلندية، من غير أن تصبح الكنيسة كنيسة دولة. ولكن الأسرة وإشراف الأبوين على التربية والمِلكيّة كانت، وفق الدستور، موضع حماية مرتكزة على (القانون الطبيعي). وأصبحت الكنيسة تقوم بأعمال الخدمات العامّة، خاصّةً في مجال التعليم. وإذا كانت مادة الدستور التي تعترف بـ (الموقع الخاصّ) للكنيسة كـ (حارسة للإيمان الذي تجاهر به الغالبية العظمى من المواطنين) قد ألغيت في عام 1972، فالكنيسة لا تزال موجودة في كل مكان في ما يتعلّق بالأخلاق الأسريّة والجنسيّة: ففي عام 1984، جرى استفتاء جعل الإجهاض ممنوعاً دستوريّاً. لكنّ قراراً من المحكمة العليا في 1992 سمح بالإجهاض حينما تتعرّض حياة الأم لخطر حقيقيّ (بما في ذلك خطر الانتحار). إنّ تناقض اجتهاد المحكمة هذا مع الدستور لمّا يحسم بعد؛ بيد أنّ الأشياء تتطوّر، كما أظهر، مؤخراً، السماح بالإجهاض في بريطانيا العظمى، الذي وافقت عليه المحكمة العليا في إيرلندا، لمراهقة كان قد اعتدي عليها (1992)، بعد وقائع يدعو حدوثها في بلد عصري للاستغراب (توقيف الشابة لدى عودتها إلى إيرلندا، إلخ.). في عام 1986، أبقى استفتاءٌ على حظر الطلاق؛ قبل أن يَرفع هذا الحظر استفتاءٌ آخر أُجري في عام 1995 (كانت فيه النتيجة متقاربة للغاية).2- اليونان- حالة اليونان ذات حساسيّة مفرطة تتناسب مع المصاعب التي أثارها على سبيل المثال، أثناء عمليّة توطيد أوروبا ديموقراطيّة بعد سقوط الستار الحديديّ، تماهي الأورثوذكسيّة مع أمم البلقان. إذ لطالما اعتُبرت الأورثوذكسيّة درعاً منيعاً في وجه خصمين اثنين: الإسلام (والأتراك) في الشرق؛ والكاثوليكيّة، آل هابسبورغ بخاصّة، في الغرب. ولقد أُخضعت الأورثوذكسية، بتماهيها مع الأمّة نفسها، في أغلب الأحيان للسلطة السياسيّة، بينما تدّعيها لنفسها من وجهة نظر إيديولوجيّة. إننا لا نجد في البلدان ذات التقليد الأورثوذكسيّ هذا التعارض الكامن بين الكنيسة والسلطة، والحاضر دائماً- في السرّاء والضرّاء- في البلدان ذات التقليد الكاثوليكي. (بعد سقوظ القسطنطينيّة، كانت الكنيسة الأورثوذكسيّة المؤسّسة الوحيدة التي صمدت داخل الإمبراطوريّة العثمانيّة والتي لعبت دوراً مهماً (ليس دينيّاً فحسب) بالنسبة للمسيحيّين المقهورين. هذا يفسّر كون الشعب اليوناني، المتمسّك أحياناً بالتقاليد، يتمنى أن تحافظ المؤسّستان على علاقة ولو سطحية).لعبت الأورثوذوكسيّة دور الحامية لهويّة الشعب اليوناني تحت
العلمانية
نشر في: 14 مارس, 2011: 05:03 م