TOP

جريدة المدى > عام > طفلٌ أحمد عبد الحسين اللاعبٌ باللاهوت

طفلٌ أحمد عبد الحسين اللاعبٌ باللاهوت

نشر في: 17 سبتمبر, 2025: 12:01 ص

احمد حمد
هذا الكتاب الذي يشبه الى حدٍ بعيد مخطوطات مُتفرقة لمواضيعٍ شتى عُثرَ عليها في أقبيةِ زمنٍ مُلتبس لشاعرٍ مجهول مُصَّوباُ أسئلتهُ صوبَ عالم مجهول عن تجاربٍ عاشها وخاضَ معها مخاضٌ عسير لتأملاتٍ شخصية لوقائعِ حياته القلقة، والمشاكسة وتقلبات زمانهُ المضطرب " من ذاكرةِ شاعر انشغل مُطَولاً بالله والشعر انشغالاً مديداً"... بعد... اربعين عاما من خلوة الغرف المغلقة. لا تنطوي هذه النصوص على رغبةٍ في استعادة لسنوات التاريخ الشخصيّ لكاتبها حتى لتبدوا أنها غير وفية للتاريخ بقدر وفائها للذاكرة "ما من تسلسل زمنيّ أو موضوعيّ يربط هذه النصوص والتأملات كل شيء مُبعثر كما لو أنّ الشعر مرّ هنا كعاصفة وقلب الاشياء وجعلها رميما منثورا"ص9 ابتداءً من العنوان الذي خصهُ ب " طفلٌ لاعبٌ باللاهوت "بِلُغةٍ عهدناها من أحمد عبدالحسين في كافة مجالات كتاباته وتعبيراته التي تُعدْ آية من آياتِ البيان والبلاغة من خلال الصور الابداعية التي تتوالى في عباراته. مؤكدةً شاعريته وحساسيته اللغوية الآسرة التي يكتب بها شعراً ونثراً وفكراً نيِّراً. لكن من أينَّ سيبدأ أحمد في تدوين شظاياه, فلعلَّ البدايات ما هي الا محض أوهام نعتقدها نحن القراء. كانت رحلة اسفارهِ الاولى مع شيخٌ جليل يعلمهُ فك الحرف حيث الميم ينقطع انقطاعا ضئيل ويجري جريانا ضئيل متوسط بين المقدم والمؤخر بين ما هو لاهوتي وما هو ناسوتي (احدٌ وأحمد) يقول أحمد في هذا الصدد "ثلاثون سنة مرّتْ. لوْ أني تأملتُ ليلتها كيف يزمُّ المرءُ شفتيه ليقول الميم. كيف تنطبقُ الشفةُ على الشفةِ لتتحقّق آدميته التي هي في الوقت عين موته. لو أني فكرتُ في أنَّ الانسان اذْ يطبق شفتيه على بعضهما فأنهُ انما يُقبلُ نفسه. يشتهي ذاتهُ. يتزاوج واياهُ ليُنجبَ ميمُ حقيقته التي هي علّةَ وجوده وموته معاَ"ص11. في فك الأحجية الحُروفية هذه ما بين الشيخ والمُريد الذي تكشف له الامر اخيرا يُردف أحمد" أنَّ لا في أسماء الله يا شيخي الحبيب ولا في اسمي. بل قبلة الوداع هذه. فمن انطباق الشفتين الذي هو علامة صمت يخرج لنا ميم الموت"
يتوالى اتصال الامر الواحد، لتنبسط دائرته لتتداخل مع الامر الاخر، لتنتج عنهما دائرة جديدة تتداخل هي الاخرى مع بقية الدوائر فتفرغُ عند انتهائنا بالموت. نعم فكل شيء دائري يعود الى ما منه بدأ. فلا توقفها الا لحظات النوم؟ حيث تدور الاحلام وفي الاحلام مثلما هو الحال في الصحو" انتظرت ثلاثين سنة بتمامها وكمالها، ليأتيني قبل أكثر من شهر بين النوم واليقظة، وارد يقول لي هذه الجملة التي جعلتها قصيدة قصيرة منفردة:
كلما انطبقت شفة على شفة
قال الموت للشفتين آمين.ص11.
في سفرهِ الثاني يوجه أحمد (الى القارئ) " نداءَ استغاثة ملخصهُ أني لا أحفلُ كثيراً بالسؤال عمّا أذا كان الشاعرُ يكتبُ للعامة أم للنخبة، رأيتُ هذا سؤالاً ساذجاً ورأيتُ الشاعر سفينةً موشكةَ على الغرق وقصيدتهً نداء استغاثة. آخرُ ما يفكر فيه المستغيث هوية المُغيث هل هو من النخبة ام من عامة القراء قًلت من يقرؤني جيدا ينقذني من التلف هذا كان الشعر لدي ولم يزل" ص16
"وكنا نحلم ـ مستيقظين ـ أن قنينة ما ستُفتَحُ هناك. شابّ هزيل مثلنا سيجد قنينة مغلقة على جرفٍ ما في أرض بعيدة، شاعرٌ ربما، لأن فضوله؛ فضول الشاعر سيدفعه لفتحها وإخراج الورقة التي كتب فيها شاعر مراهق نداء استغاثته. أيها الشابّ الجميل الهائم المقيم حيث لا يصل النظر هذا النداء أتى لك من مكان بعيد وصادف أنك أيها المنقذ كنتَ في اللحظة المؤاتية هناك".
القارئ هو أيضاً بانتظار الشاعر، أن يكتب لأجل أن يعبر عن مشاعر قد تكون مكبوتة في قلبه. ليُعبر فيها عن شكواهُ. بيد أنَّ الشاعرُ مأخوذ أيضاً، بذلك القارئ المنقذ، حتى تحمل دعوة للتواصل. فلابد للشعر أن يقول شيئا، ولكن أي نوع من التواصل هذا الذي سيتحقق وما طبيعة المقول الشعري؟ جُل ما يطمح اليهِ الشعراء الكبار هو ان يتمتع القارئ بحس شعري عالي يشارك فيه الشاعر تجربته. بيد علينا ألا نمزج بين الشعر الذي نتلقاه وبين الخبرة الشعرية العميقة النابعة من التجربة الروحية للشاعر على حد وصف فوزي كريم.
صارت المهمة اليوم أكثر تعقيداً، بسبب فارق التلقي الثقافي أحياناً بين الشاعر والجمهور وأن الشاعر أبعد رمزية وأبعد عن الحسية على خلاف المتلقي.، ويُبقي واحدُهم الشعر لنفسه ولخاصته أو النخبة. علينا الإقرار بحقيقة، قد يكون صعباً تقبلها بالنسبة لكثيرين. لا يتساوى الجميع أمام الكلمات، فالقارئ شريك ما يقرأ
خطورة هذه المسألة التي أثيرها، هي أننا إذا هبطنا بالشعر إلى مستوى المتلقي واحتياجاته وهبطنا بالموسيقى وهبطنا بالرسم، ماذا سيعني هذا؟ سيعني، للأسف، سقوط الحضارة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. احمد حمد سمير

    منذ 3 شهور

    يسرني ويسعدني أن أنشر في صحيفة المدى التي تضم نخبة من كتاب ومثقفين لامعين

  2. احمد حمد

    منذ 3 شهور

    يسرني ويشرفني أن أنشر في صحيفة المدى التي تضم نخبة كبيرة من المثقفين والكتاب، كما أتقدم بالشكر الجزيل الى الخال سقراط بغداد الكاتب علي حسين على الدعم والمساعدة والتشجيع في النشر، متمنياً أن ينال هذا المقال المتواضع رضاكم واستحسانكم . تقبلوا مودتي واعتزازي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram