بغداد / تبارك عبد المجيد
كشفت وزارة النقل العراقية عن تفاصيل مهمة لمشروع «طريق التنمية»، في خطوة تؤكد سعي العراق لتحويل قطاع النقل إلى محور استراتيجي يربط المحافظات ويعزز دوره كممر اقتصادي إقليمي. وأكدت الوزارة أن المرحلة الأولى من المشروع ستُستكمل بين عامي 2030 و2031، مع نسب إنجاز متقدمة في الخطوط السككية والبرية.
وأوضح مسؤولون في الحكومة أن قطاع النقل يمر بمرحلة حرجة تستدعي تطويرًا عاجلًا لمواكبة التكنولوجيا العالمية وإعادة تأهيل شبكة السكك الحديدية لتقديم خدمات فعالة وآمنة، مع التأكيد على أهمية دمج الخبرة المحلية مع أحدث التقنيات لضمان نجاح المشاريع المستقبلية.
وذكر المتحدث باسم وزارة النقل العراقية ميثم الصافي أن المرحلة الأولى من مشروع طريق التنمية ستُستكمل بين عامي 2030 – 2031، مشيرًا إلى أن نسب الإنجاز الحالية تسير وفق ما مخطط له، إذ تم الانتهاء من مرحلة التصاميم الأولية والدخول في مرحلة التصاميم التفصيلية، فيما بلغت نسبة الإنجاز التراكمية في الخط السككي 82 %، ووصلت في الخط البري إلى 66 %، أما أعمال المسح الطبوغرافي وتحريات التربة فقد تراوحت نسب إنجازها بين 81 و100 % مع وجود بعض التباينات بحسب المناطق. وأوضح أن المشروع سينتقل بعد استكمال التصاميم التفصيلية إلى مرحلة التنفيذ التي ستُقسم إلى مقاطع تُطرح للتنافس بين الشركات المنفذة، وهو ما يتيح فرصًا واسعة للمشاركة.
وحول ملف التجاوزات، أشار الصافي في حديث خص به «المدى» إلى أن المشروع صُمِّم بمسارات خارجية بعيدة عن المدن والازدحامات، وهو ما يقلل الحاجة إلى الاستملاكات ويحد من أي تجاوزات، مبينًا أن لجانًا متخصصة شُكِّلت عبر اجتماعات دورية بين وزير النقل ومستشار رئيس الوزراء لشؤون المحافظات لمتابعة ملف الاستملاكات الضرورية، مؤكدًا أنه حتى الآن لا توجد تحديات جوهرية قد تعرقل مسار المشروع.
وكشف الصافي عن خطط لتقليص زمن الرحلة بين بغداد والبصرة عبر اعتماد قطارات حديثة تعمل بالنظام الأوروبي وبسرعة تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة، مما سيقلص زمن الرحلة بشكل كبير، لافتًا إلى أن المشروع من المؤمَّل أن ينقل نحو 13 مليونًا و800 ألف مسافر سنويًا، فضلًا عن نقله كميات ضخمة من البضائع والخدمات اللوجستية. وأضاف أن الخطط الموضوعة تتضمن شراء قطارات حديثة ومتطورة تعمل وفق أنظمة صديقة للبيئة، بما يواكب التطور العالمي ويسهم في إنجاح المشروع.
وشدد الصافي على أن طريق التنمية مشروع دولة ورؤية وطنية وليس مشروعًا انتخابيًا مؤقتًا، مبينًا أن اللجنة العليا للمشروع أعدت مسودة خاصة لضمان حمايته مستقبلًا باعتباره مشروعًا استراتيجيًا يرتبط بمكونات أساسية في مقدمتها ميناء الفاو الكبير الذي يعد المحطة الأولى، إلى جانب الخطين السككي والبري، و15 منطقة صناعية، والمدينة الصناعية الكبرى في الميناء. وأكد أن الجدول الزمني للمراحل يبرهن على طبيعته الاستراتيجية بعيدة المدى، إذ ستُستكمل المرحلة الأولى بين عامي 2030 و2031، تليها المرحلة الثانية في عام 2038، وصولًا إلى المرحلة الثالثة في عام 2050.
وأوضح الصافي أن المشروع ينطلق من ميناء الفاو الكبير ليسهم في تطوير قطاع النقل عبر ربطه بعدد من المطارات العراقية، منها بغداد الدولي والبصرة الدولي والنجف الأشرف والموصل الدولي والناصرية الدولي الذي سيفتتح هذا العام، إضافة إلى مطار كربلاء الدولي. أما على صعيد الربط السككي فقد أشار إلى أن الخط سيمتد من ميناء الفاو حتى الحدود التركية، على أن يبقي العراق خياراته مفتوحة أمام الشراكات الدولية بما يضمن المصلحة الوطنية ويعزز الاقتصاد المحلي.
وبين الصافي أن الجانب الدولي للمشروع يتضمن المجلس الرباعي الذي يضم العراق وتركيا وقطر والإمارات مع وجود طلب من سلطنة عمان للانضمام، إضافة إلى مجلس رباعي آخر يضم تركيا وصربيا وهنغاريا وبلغاريا ضمن الرؤية الأوروبية للمشروع، حيث يعد العراق الركيزة الأساسية ونقطة الانطلاق. وأكد أن الفوائد الاقتصادية المنتظرة متعددة، أبرزها توفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل للعراقيين، وزيادة الناتج المحلي وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، واستقطاب استثمارات استراتيجية عبر المحافظات الواقعة ضمن مسار المشروع، وبناء مدن صناعية ومراكز تجارية وتجمعات سكانية تعيد إحياء الاقتصاد العراقي، فضلًا عن تعزيز موقع العراق الجغرافي كممر اقتصادي عالمي.
وختم الصافي بالقول إن الأجواء العراقية أصبحت خلال السنوات الأخيرة ممرًا آمنًا ومختصرًا، إذ تسجل اليوم أكثر من 765 طائرة عابرة يوميًا، وهو ما يعكس قدرة العراق على أن يكون مركزًا لوجستيًا عالميًا.
في ذات السياق، أكد ناصر الأسدي، مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل، أن قطاع النقل في العراق، وخاصة السكك الحديدية، يمر بمرحلة حرجة تستدعي تطويرًا عاجلًا لمواكبة التكنولوجيا العالمية.
وأوضح الأسدي لـ«المدى» أن شبكة السكك الحديدية في العراق تعتبر «قديمة ومتهالكة»، مع وجود نقص في عمليات الصيانة خلال الأربعين إلى الخمسين سنة الماضية، ما أدى إلى تدني مستوى الخدمات. وأضاف أن «القطارات القديمة هي مشاريع سابقة لا تخدم المرحلة الحالية، ويجب أن نواكب التكنولوجيا العالمية في مشاريعنا المستقبلية».
وأشار إلى أن الحكومة تفكر في مشاريع استراتيجية تشمل إعادة تأهيل شبكة السكك الحديدية الحالية، وتأهيل القاطرات المستخدمة لنقل المسافرين بين المحافظات، بالإضافة إلى تطوير مترو بغداد، وإدخال قطارات سريعة مثل مشروع قطار النجف – كربلاء بسرعة تصل إلى 240 كيلومترًا في الساعة. وأكد أن جميع المشاريع الجديدة ستلتزم بالمواصفات العالمية وسيتم إشراك المتخصصين لضمان تحقيق المعايير المطلوبة.
وفيما يتعلق بالشراكة مع القطاع الخاص، أشار الأسدي إلى أهمية التعاون المشترك بين الحكومة والمستثمرين بهدف تحقيق إدارة فعالة للمؤسسات وتحقيق أرباح تسهم في تقديم خدمات أفضل للمواطنين.
وبخصوص التحديات، أشار الأسدي إلى أن «التكنولوجيا الحديثة تتطلب تمويلًا كبيرًا»، موضحًا أن الحكومة تسعى لتجاوز هذه المشكلة من خلال تشجيع الاستثمار السريع، بما يضمن تشغيل المشاريع وتقديم الخدمات في أقصر وقت ممكن.
أما بالنسبة للكوادر البشرية، فأوضح الأسدي أن العراق يواجه نقصًا في الموارد البشرية المتخصصة، مشيرًا إلى خطط لتدريب الكوادر المحلية واستقطاب الخبراء من الخارج للوصول إلى المستوى المطلوب لإدارة المشاريع بكفاءة عالية.










