TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المشاركة والمقاطعة: معضلة التمثيل الشيعي في العراق

المشاركة والمقاطعة: معضلة التمثيل الشيعي في العراق

نشر في: 21 سبتمبر, 2025: 12:02 ص

محمد علي الحيدري

في الساحة السياسية العراقية، يبدو المشهد الشيعي معقدًا ومتعدد الأوجه، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالانتخابات. الجدل الراهن حول المشاركة أو المقاطعة ليس مجرد خيار تقني، بل يعكس صراعًا عميقًا بين القيم والمصالح، بين الرغبة في الإصلاح والمخاوف من الاستغلال، وبين حماية التمثيل ومواجهة الفساد.
المشاركون في العملية الانتخابية يطرحون حجة واضحة: المشاركة تمنح المجتمع الشيعي فرصة للتأثير، لتعديل السياسات، ولإحداث الإصلاح من الداخل. مقاطعة الانتخابات، من هذا المنظور، ليست وسيلة للتغيير، بل قد تؤدي إلى غياب صوت الشيعة عن البرلمان، ما يترك المجال للآخرين لإعادة إنتاج الوضع نفسه. هؤلاء يرون أن الانخراط في العملية السياسية، رغم عيوبها، هو الطريق الواقعي لتحقيق إصلاح تدريجي، وأن العمل من داخل المؤسسات يتيح مراقبة الأداء، وضبط المسار، وتعزيز الرقابة الشعبية على النواب والكتل.
في المقابل، يرى المقاطعون أن المشاركة في انتخابات تتحكم فيها شبكات الفساد لا تمنح سوى الشرعية لهؤلاء الفاسدين. المقاطعة، بحسبهم، هي موقف حاسم ورسالة قوية للمجتمع والسياسيين على حد سواء: أن استمرار الفساد لا يمكن التساهل معه، وأن المشاركة العشوائية لن تنتج إلا استمرار الأوضاع القائمة. بالنسبة لهم، المقاطعة تعبر عن رفض استسلام المواطن للأنظمة الحزبية المتنفذة، وتضع المسؤولية على الطبقة السياسية لتقديم بدائل حقيقية قائمة على النزاهة والكفاءة.
هذه الجدلية ليست فريدة بالعراق، لكنها هنا تصبح حادة بسبب تراكم التجارب المؤلمة من سيطرة الولاءات الضيقة والمحاصصة على القرار السياسي. فالمشهد الانتخابي الشيعي يعكس صراعًا بين واقعية العمل من داخل المؤسسات وأخلاقية رفض الظلم والفساد، بين المشاركة التي قد تُثمر نتائج محدودة وبين المقاطعة التي تحمل رمزية عالية لكنها قد تُضعف التمثيل السياسي.
الحل الوسط يظل صعبًا، لكنه ليس مستحيلاً. يمكن التفكير في استراتيجيات تجمع بين المقاطعة الانتقائية للكتل المعروفة بالفساد، والدعم الانتخابي الموجه للبرامج والأشخاص الذين يقدمون رؤية إصلاحية واضحة. وهذا يتطلب وعيًا سياسيًا حقيقيًا وثقافة انتخابية تسمح بتقييم الأداء والمساءلة، لا بالالتزام الأعمى بالمواقع أو الموروثات الحزبية.
في النهاية، تبقى المشاركة والمقاطعة أدوات سياسية، لا غاية بحد ذاتها. كل منهما يحمل مخاطره وفرصه، وكل منهما يعكس موقفًا أخلاقيًا واستراتيجيًا تجاه المستقبل. التحدي الأهم للمجتمع الشيعي هو تطوير آليات لتقييم الخيارات السياسية بموضوعية، لضمان أن أي قرار يُتخذ، سواء بالمشاركة أو المقاطعة، يحقق مصلحة جماعية حقيقية، ويحول الاختلاف إلى قوة دافعة نحو الإصلاح، لا إلى سبب للانقسام والضعف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram