طالب عبد العزيز
في أعراف الزراعة والغرس يتوجب عليك أن تفحص الماء؛ وتعرف كم تبلغ نسبة الاملاح والمعادن الأخرى فيه قبل أن تزرع وتغرس أيَّ شيء! لأنك إذا غرست أشجارك وسقيتها بماء مالح وغير صالح للزراعة ستموت، ويذهب المال والجهد، وهذا ما يحصل في كثير من مشاريعنا الزراعية والبلدية في البصرة بخاصة، بوصفها المدينة الوحيدة التي تتعرض لموجات المد الملحي بين سنة واخرى، وهذا ما نشاهده ونحن نستعمل الطريق بين ضواحي المدينة، التي تخضرُّ في الشتاء وتتصحر في الصيف.
نجحت الدوائر الزراعية وإن بشكل تجريبي ومحدود بزراعة أشجار المانغروف على الساحل البحري في خور الزبير والفاو، وهي أشجار تعمِّر طويلاً ولا تتضرر من الماء المالح، بل هي مخصصة لمثل هكذا شواطئ؛ تزرع لحماية السواحل وزيادة المساحات الخضراء، فضلاً عن كونها تغرس لانشاء المحميات الحيوانية وتعزيز الثروة السمكية، وتحسين البيئة، وكانت دول الخليج وغيرها قد اعتمدتها منذ سنوات، في تحسين بيئتها وحماية سواحلها، وها هي الدوائر البلدية والزراعية تعتمدها وأثبتت نجاحها.
ضمن حملة تشجير الحدائق العامة والارصفة والجزرات الوسطية في البصرة تم زراعة أشجار الكالبتوس، وهي أشجار سريعة النمو ومعمرة وباحجام كبيرة وصحية ومزهرة في أكثر من موسم لكنها لا تتحمل ملوحة ماء البصرة، لم تصمد طويلاً وهلك الكثير منها، مع ما هلك من أشجار أخرى بسبب الحارة المرتفعة والماء المالح، حيث عصفت الازمة بالمدينة ولم تتمكن البلديات من تأمين الماء الصالح للاستخدام المنزلي والزراعة ولو هناك احصائيات محايدة لوقفنا على ارقام ومبالغ مالية مريعة نتيجة لذلك. ليس مهماً قيامك بزراعة الأشجار في حديقة بيتك، الأهم من ذلك هو قدرتك على حمايتها من الهلاك بتامين البيئة والماء المناسبين لها.
بالتعاون مع بلدية مدينة سفوان بالبصرة قام شباب بصريٌّ متحمس وعلى مساحة 20 دونم بغرس خمسة آلاف شجرة، من الأنواع التي تتحمل البيئة الصحراوية والجافة، في محاولة لجذب السياح؛ وانعاش السياحة في المدينة، ويبدو أنَّ التجربة ناجحة؛ وتلاقي الاستحسان. في الدول ذات الأنظمة المستقرة يكون التخطيط عتبة أولى في برامجها العمرانية والخدمية، وفي الأنظمة المرتجلة فلا وجود للتخطيط فيها، فهي تحلم بمشروع في الليل وتدفع به، طالما يؤمن لبعضها المال وتنفذه في النهار ثم لا تني تزيحه، أو تستبدله بآخر، لأنها رأت أنه أنشئَ بالخطأ، وهكذا نجدها تقضم الجزرة الوسطية مرةً لصالح الشارع أو العكس، وترفع المقرنص من الرصيف لتمدَّ شبكة لتصريف المياه أو للكابل الضوئي، وهذه الأفعال لا حدود لها، نراها في معظم مدننا العراقية.
في غفلة من الحكومة كانت المساحات الشاسعة من البساتين والأراضي الزراعية قد بيعت في البصرة وكربلاء وبغداد وغيرها وخطط المسّاحون من المقاولين والمرابين والمزوّرين الضواحي والمدن بحسب مشيئتهم، بعيداً عن رأي ومشورة الحكومة، ووجهة نظرها في التخطيط، وبعد سنوات تنبهت الحكومة الى أنَّ الشوارع والازقة التي شقها المقاولون هذه لا تصلح للاستخدام وحركة المركبات والناس، ثم أنها بلا خدمات، ولا مساحات خضراء، بل ويستحيل على الحكومة تنفيذ مشروع خدمي فيها لأنها عشوائيات بالمعنى الكلي، لذا سيتوجب عليها إزاحة بعض البيوت وتوسعة الشوارع وتجريفها وتنفيذ جملة الخدمات، وهو أمر مستحيل ذلك لأنه سيقوم على هدم ما بني وانفق عليه من المال، وهنا ستكون الحكومة ملزمة بتعويض هؤلاء وهكذا.
لهذه وغيرها ندعو بلدية البصرة الى زراعة أشجار المانغروف، الصابرة والمحتسبة في شوارع وحدائق وجزرات المدينة تجنبا للخسارة وضياع الجهد.










