TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: المصفقون !!

العمود الثامن: المصفقون !!

نشر في: 21 سبتمبر, 2025: 12:06 ص

 علي حسين

كان الشاعر الزهاوي معروف بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد ان يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل ان يذهب الى المقهى، ويحرص على ان تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة في كيس صغير ليسهل عليه توزيع (آناتها) ثمناً لما يشربه الذين يلتفون حوله في المقهى مصفقين له بحرارة كلما ألقى بيتا من الشعر.
وينقل لنا المؤرخ الراحل خيري العمري ان احد الساسة العراقيين كان شديد الإعجاب بنفسه محبا للشهرة التي تدفعه احيانا الى استئجار أناس يكيلون المديح له في المكان الذي يتواجد فيه نكاية بمعارضيه.
عن التصفيق والمصفقين قرأت كتاباً لمؤلف مصري غاية في التشويق والمتعة عنوانه "لماذا يصفقون" والكتاب في الحقيقة يتجاوز مسألة التصفيق عند إخواننا المصريين ليتناول تاريخ التصفيق عند جميع الشعوب وكيف تحول المصفقون إلى أصحاب مهنة تدر عليهم أموالاً.
تذكر كتب التاريخ أن الإمبراطور نيرون أسس مدرسة خاصة لتعليم فنون التصفيق وفي زمنه أصبحت مهنة المصفقين المأجورين رائجة، وأنه كان يأمر ما يقرب من خمسة آلاف فارس وجندي من أفراد الجيش بحضور الحفلات الموسيقية التي كان يغني فيها وهو يعزف على القيثارة؛ ليصفقوا له بعد أن ينتهي من الغناء والعزف.
ويخبرنا مؤلف كتاب التصفيق بان هناك أنواعاً عدة من التصفيق "يمكن التمييز بين نوعين منها التصفيق الأول تصفيق حر، يقوم به الشخص من دون ضغوط خارجية، وبمحض إرادته الكاملة، والثاني تصفيق إجباري، يقوم به الشخص مضطرا بسبب وجود ضغوط أو قيود تجبره على التصفيق. فالتصفيق مرآة تنعكس عليها علاقات السلطة بالناس.
يرتفع صوت السياسي في بلاد الرافدين ويرتفع معه التصفيق على الفور، لكنّ المصفقين لا يعلمون لماذا يصفقون أو لمن، المهم انهم يصفقون عندما تصلهم الاوامر، غير مبالين إن كانوا يصفقون في الوقت الملائم أم في الوقت الضائع!
منذ سنوات ارتفع صوت العديد من السياسيين وهم يعلنون انهم اصحاب هذه الارض والمسؤولين عن شؤون العباد ، وفي كل خطبة يرتفع التصفيق على الفور، لكنّ جوقة المصفقين لا يعلمون ولا يريدون ان يعلموا ماذا يجري في الانبار، وأين وصلت أنباء الماء غير الصالح للشرب في البصرة ، وما صحة التقارير التي تنشرها الصحافة الأجنبية من ان بغداد المدينة الاسوأ في الخدمات ، ومن قرأ تقرير منظمة الطاقة الدولية الذي يقول ان الكهرباء في العراق بين عامي 2014 و2020 كلفت اقتصاد العراق " 95 " مليار دولار " ..لا يهم ان تسرق هذه المليارات ، فنحن البلاد التي سامحت نور زهير بعد ان سرق ثلاث مليارات من الدولارات ، فهذه مسائل يمكن ان نتجاوزها الان، فنحن منشغلون بالتصفيق .. اما لماذا؟ لا يهم.. المهم انهم يصفقون عندما تصلهم الأوامر، غير مبالين إن كانوا يصفقون في الوقت الملائم أم في الوقت الضائع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram