TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العلمانية

العلمانية

نشر في: 15 مارس, 2011: 04:52 م

(الجزء العاشر) سعياً لوعي ينفتح على مديات تنويرية هي من مستلزمات البناء الديمقراطي الجديد، وتحصيلاً لفائدة الاطلاع على تجارب العالم في الارتقاء بالانسان وحقوقه، تعيد آراء وأفكار  نشر كتاب العلمانية، على حلقات، للكاتب غي هارشير وبترجمة رشا الصباغ. غي هارشير ترجمة: رشا الصباغ الفصل الثالث
تحليل مفهوم العلمانية: تعقيد ومفارقات  يمكن إذن تسمية البلدان الديموقراطيّة (علمانيّة) بمعنى أنّها تحترم الحريّة الدينيّة، وبوجه عام، الحقوق الأساسيّة، كما وردت في الاتفاقيّة الأوروبيّة لحقوق الإنسان (وبالتحديد في المادّتين 9 التي تنصّ على حريّة الضّمير، و14 المتعلّقة بعدم التمييز، وبخاصّة لسبب دينيّ). ولكن العلمانيّة بالمعنى الضيّق، على الطريقة الفرنسيّة، ليست محميّة في القانون الدوليّ: إذ ليس ثمّة أيُّ نصّ يفرض على البلدان الديموقراطيّة فصلاً صارماً، أو يحظر مثلاً دفعَ مرتبات لرجال الدين. وهناك في بعض الدول أو في أجزاء من دول، كما رأينا، دينٌ يعتبر، بصفة أو بأخرى، رسميّاً (إنكلترا، الدانمرك، اليونان). ولكنّ هذا لا يمنع- باستثناء حالة اليونان ربما- من كون الحريّات الأساسيّة الكبرى المتعلّقة بالعلمانيّة بالمعنى الواسع (حريّة الضّمير، التعبير، العبادة، الاجتماع، التعليم) محترمة هناك كشأنها في فرنسا تماماً. أجل، إنّ الحركة العلمانيّة، في بلجيكا على سبيل المثال، تنتقد عبء الكنيسة الكاثوليكيّة (وهو غالباً رمزيّ، ولكنّه أيضاً ماليّ)، والروابط بين العائلة المالكة والسلطات الكاثوليكيّة، إلخ. غير أنّ ذلك يُظهر بالمقابل المدى الذي بلغه تقدّم العلمانيّة: لأنّه إذا لم تعد المعارك تندلع سوى بصدد مشكلات هي في النهاية بسيطة وغير ذات خطر، فهذا يعني بالضبط أن الهيمنة المتشدّدة لملّة ما، واحتكار الدولة من قبل تلك الملّة، يتراءيان- في البلدان الديموقراطيّة- كشيء عفا عليه الزمن. هذا بقدر ما توجد أخطار حقيقيّة في أماكن أخرى: أنظمة شموليّة تُفرض فيها إيديولوجيا معيّنة بأشدّ وسائل القسر والإكراه عنفاً (أو أكثرها تطوّراً، عن طريق الحملات الدعائية، إلخ.)، أو أنظمة دينيّة أصوليّة (كما في إيران) يلعب الدين فيها دور الحقيقة الرسميّة، المتلازمة مع اضطهاد المنشقّين، وإن لم يتّصفوا بالعنف (كالبهائيين). I - العلمنة المضادّة للدين تضاف إلى هذه الإشكاليّة إشكاليّة أخرى، ترتبط بالطبيعة ذاتها للدولة العلمانيّة. فكثيراً ما شُدَّد على حقيقة أنّ الكنيسة في فرنسا قد وجدت نفسها في ثمانينات القرن التاسع عشر (فترة علمنة المدرسة) وفي بدايات القرن العشرين (علمنة الدولة نفسها)، في مواجهة تيّار فكرٍ حرّ وعقلانيّ، ليس معارضاً لتدخّل الإكليروس في الشؤون العامّة فحسب، ولكنّه معادٍ للدين كذلك: إذ لم يكن من نتيجة الفلسفة الوضعيّة أنّها فرضت على الدين انسحاباً من السياسة فقط، بمعنى أنّها وضعت نهاية لخلط اعتقادٍ خاصّ بـ (الشأن العامّ)، بل لقد اعتبرته ذكرى من الماضي، تجسيداً لنظام قديم يتنافى بالفعل مع المثل العليا للحداثة الديموقراطيّة. كان ذلك بالطبع دمجاً بين الدين ودين الدولة، بين الروحانيّة والـ compelle intrare، أو ببساطة أكبر تناسي تاريخ المسيحيّة كلِّه عدا ما شاب ماضيها من تعصّب وتزمّت واضطهاد. لقد أقرّ العلمانيّون إذن في الوقت الحاضر أنّ تطييف المجتمع، وبصورة خاصّة تطييف المدرسة، الذي ووجهوا به في فترة الإمبراطوريّة المستبدّة (1852- 1860) وفي فترة (النظام الأخلاقي) الذي ساد في بدايات الجمهوريّة الثالثة في عهد ماكماهون Mac-Mahon  (1873-1879)، قد حملهم على الاعتقاد بأنّ بناء دولة المصلحة العامّة لن يتحقّق فعلاً إلاّ بنبذ اللجوء قطعيّاً إلى ما كان ماركس قد دعاه في عام 1840 (أفيون الشعب): (إنّ البؤس الدينيّ هو التعبير عن البؤس الحقيقيّ والاحتجاج على البؤس الحقيقيّ في آن. الدين هو زفرة المخلوق المضنى، نفس عالم بلا قلب، مثلما هو روح أحوال خالية تماماً من الروح. إنّه أفيون الشعب... يتضمّن نقد الدين في ثناياه  نقد وادي الدموع الذي يضفي عليه الدين هالته.)  رؤية للعلمانيّة مفعمة بالماديّة والروح القتاليّة كهذه ليست بالطبع رؤية الجميع: إذ كان فيرّي بروتستانتيّاً، وكان كومب (روحانيّاً). وقد كتب هذا الأخير في مذكّراته  (1907) Mémoires: (كنت طوال حياتي روحانيّاً متحمّساً، حاول دون أن يحالفه النجاح إخضاع ذكائه لعقيدة الكنيسة... اليوم، للأسف، الوضعية...تقصي، كما الأمراض، البقيّة الباقية للروحانيّة. هل تخرج الأجيال الجديدة من ذلك التعليم أنشط عقلاً، وأصوب حكماً، وأسهل إدراكاً للميول النبيلة، وأكثر نزاهة، وأشدّ تفانياً في سبيل المصلحة العامّة من الأجيال السابقة، تلك الأجيال التي مهّدت الدرب للنظام الجمهوري ووطّدته؟ إن الأمر ليدعو للشكّ.)  ستتطور العقلانيّة والوضعيّة بالفعل وستنتشران في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين (كما تشهد مخاوف كومب). بيد أنّ هناك بالتأكيد هوّةٌ عميقة بين هذه التصوّرات (للعلمانيّة الفصليّة) وانضمام الكاثوليك إلى (العلمانيّة الحياديّة) أثناء إعداد دستور 1946: ففي الحالة الأولى، تصبح

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram