TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > مع بداية العام الدراسي الجديد.. ناشطون وتربويون يتحدثون عن أزمات التعليم بين مدارس الكرفانات والاستغلال السياسي!

مع بداية العام الدراسي الجديد.. ناشطون وتربويون يتحدثون عن أزمات التعليم بين مدارس الكرفانات والاستغلال السياسي!

نشر في: 22 سبتمبر, 2025: 12:07 ص

 بغداد – تبارك عبد المجيد

مع انطلاق العام الدراسي الجديد، يعود الجدل مجدداً حول واقع التعليم في العراق، حيث تتكشف معاناة الطلاب بين صفوف مكتظة ومبانٍ متهالكة، فيما لا يزال عدد كبير من المدارس يعمل داخل «الكرفانات» المؤقتة التي تحولت إلى رمز لأزمة البنية التحتية التعليمية. وبين وعود رسمية تتحدث عن تحسن الأوضاع، وواقع يومي يكشف اتساع الفجوة بين الإمكانات المتاحة والاحتياجات الفعلية، يجد آلاف الطلبة أنفسهم محاصرين بظروف لا تساعدهم على التعلّم. هذه الأزمة لا تتجلى فقط في المباني، بل تمتد لتشمل تفاصيل الحياة اليومية للطلاب داخل الصفوف.

غلاء الأسعار!
فإلى جانب شح المدارس واعتماد الكرفانات كبدائل مؤقتة، يعاني الطلاب من نقص الموارد وتردي البنية التحتية. الصفوف مكتظة، والمقاعد قديمة، والجدران تحمل آثار الزمن، لكن ما يثير الانتباه أكثر هو الفجوة بين الطلاب أنفسهم؛ فالبعض يمتلك أدوات حديثة وأجهزة تعليمية متطورة، بينما يواجه آخرون صعوبة حتى في تأمين دفاتر وأقلام بسيطة.
المعلمة كحلاء علي ترى في هذا الواقع أزمة كبيرة تؤثر على العملية التعليمية برمتها. الأطفال الذين لا يجدون مستلزمات الدراسة المناسبة يعيشون إحباطاً مستمراً، ويضطرون للتكيف مع ظروف لا تساعدهم على التعلّم بفعالية، بينما آخرون يستفيدون من فرص أفضل، ما يجعل المدرسة في كثير من الأحيان مكاناً غير متساوٍ.
من منظورها، الحل لا يكمن في الشكوى وحدها، بل في اتخاذ خطوات عملية لتحسين البيئة المدرسية. توفير الأدوات الأساسية، تعديل جداول الدوام، وتحسين الخدمات، كلها أمور أساسية لتخفيف الضغط على الطلاب والأهالي، وتمكين كل طفل من ممارسة حقه في التعليم بشكل متكافئ.
الرسالة التي تحاول المعلمة نقلها واضحة، حيث تقول لـ«المدى»: «المدرسة ليست مجرد مبنى، بل مكان لتكافؤ الفرص وتطوير القدرات. التحدي الحقيقي يكمن في جعل البيئة المدرسية عادلة وشاملة، بحيث يشعر كل طالب بأنه يحظى بنفس الفرصة التي يحظى بها زميله».

شُحّة «المدارس»!
في السياق ذاته، أكد علي حاكم، الناشط في مجال التعليم ومؤسس المدرسة الحرة، أن نقص المدارس يمثل مشكلة مستمرة وملحّة في مختلف المحافظات، مشيراً إلى أن البيانات الحكومية لا تعكس الواقع الفعلي على الأرض.
وقال حاكم لـ«المدى» إن التقارير الرسمية تتحدث عن تحسن الأوضاع وتراجع أزمة المدارس، لكن الحقيقة تختلف تماماً، فالعدد الفعلي للمدارس المطلوبة يفوق بكثير ما يتم تنفيذه على المستوى المحلي أو الوطني. وأضاف: «المطلوب أكبر بكثير من المشاريع التي تُنفذ، لكن الحكومة تصدر بيانات وكأن المشكلة بدأت تُحل».
وأشار إلى استمرار استخدام الكرفانات كبديل للمدارس الحقيقية في معظم المحافظات، خاصة خارج مراكز المدن، مع الإشارة إلى مفارقة في محافظة كربلاء، حيث إن مديرية التربية نفسها تعمل من كرفانات مؤقتة، ما يعكس قصور البنية التحتية وضعف التخصيصات المالية للوزارة.
وأوضح أن المديريات المحلية للوزارة تتحمل الدور الأكبر في الضغط على الحكومة المحلية لتنفيذ مشاريع حقيقية، لكن هذه الجهود غالباً ما تتعثر بسبب ضعف الرقابة والمتابعة على المستوى المركزي. واستشهد حاكم بالمدارس الصينية التي تم الاتفاق على بنائها ضمن مشاريع كبيرة، موضحاً أن كثيراً منها لم يُنجز بعد ولم يُسلّم، رغم أنها كان من المفترض أن تكتمل منذ فترة طويلة.
وأكد حاكم أن الحل يتطلب ضغطاً حقيقياً من وزارة التربية والحكومات المحلية، وزيادة التخصيصات المالية لإنهاء الأزمة، مشيراً إلى الأثر المباشر على الطلاب الذين يضطرون للدوام بنظامين أو ثلاثة دوامات يومياً، وفي بعض المدارس يصل الأمر إلى خمس دوامات. وقال: «هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إذا أردنا تعليماً فعلياً وفعالاً للأطفال».
في النهاية، رسم حديث علي حاكم صورة حقيقية لأزمة التعليم في العراق، مؤكداً أن حل المشكلة يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتنسيقاً بين الوزارة المركزية والمديريات المحلية، وتوفير ميزانيات كافية للبنية التحتية للمدارس، لضمان حق الطلاب في تعليم لائق وآمن.
وتحدث التربوي محمد سامر لـ«المدى» قائلاً: «أعمل مدرساً في أطراف مناطق بغداد، وقد عانينا لسنوات من نظام الدوام الثلاثي في بعض المدارس، حيث يداوم في بناية واحدة تلاميذ الابتدائية والمتوسطة والإعدادية. هذا الأمر أدى إلى تقليص زمن الدوام من أربع ساعات تقريباً إلى ساعتين ونصف فقط، بعد حساب الاصطفاف والاستراحة. مقارنة بالدول الأخرى، نجد أن الطالب هناك يقضي أحياناً ست ساعات مع وجبة غداء داخل المدرسة، بينما هنا يُضغط الوقت بشكل كبير، مما أثر على مستويات الطلبة وأضعف نتائجهم».
وأوضح سامر أن أصل المشكلة يعود إلى قرار سابق في زمن وزير التربية الأسبق خضير الخزاعي، حين تم الاتجاه إلى مشروع «الهياكل الحديدية» الذي تضمن هدم أكثر من 2500 مدرسة دون أن يكتمل المشروع أو يُبنى بديل لها. ونتيجة لذلك تراكم العجز ليصل اليوم ـ بحسب وزارة التربية ـ إلى نحو 8 آلاف مدرسة، بينما يقدّره سامر بأنه لا يقل عن 10 آلاف مدرسة.
وأضاف: «حتى مع بناء مدارس جديدة، تواجهنا مشكلة أخرى لا تقل خطورة، وهي النقص الكبير في الكوادر التدريسية للمواد العلمية. فالكثير من خريجي الإعداديات لا يتجهون إلى كليات التربية أو العلوم، لأنها أقل جدوى مادية من تخصصات أخرى، الأمر الذي يجعلنا أمام أزمة مضاعفة، نقص في الأبنية ونقص في التخصصات العلمية».
ولفت سامر إلى أن الظروف المالية للمدرسين غير مشجعة، حيث يتقاضى المتعاقدون رواتب متدنية بحدود 270 إلى 300 ألف دينار شهرياً بعد الاستقطاعات، وهو مبلغ لا يغطي تكاليف النقل والمعيشة.
وأشار سامر إلى بيانات وزارة التربية العراقية التي تؤكد حجم الأزمة، حيث كشفت عن وجود أكثر من 1000 مدرسة كرفانية، و100 طينية، و1200 آيلة للسقوط في عموم البلاد.
وينوّه إلى أن «المدارس الكرفانية تعاني بشكل خاص من عيوب خطيرة، أبرزها انعدام السلامة، المخاطر الصحية، وسوء التهوية والعزل الحراري، مما يجعلها غير صالحة للأجواء المناخية القاسية في العراق. كما تفتقر للبنى التحتية الضرورية كالخدمات الصحية والمختبرات، ما ينعكس سلباً على جودة التعليم».
وأضاف: «ومع بداية العام الدراسي الجديد، تستقبل المدارس نحو 12 مليون تلميذ وطالب، بينهم 1.2 مليون تلميذ جديد في المرحلة الابتدائية الأولى»، بحسب إحصائيات وزارة التربية.
في الوقت ذاته، تعلن الحكومة أنها تولي أهمية كبيرة لملف الأبنية المدرسية، حيث تمكنت حتى الآن من بناء 460 مدرسة ضمن العقد الصيني، على أن يضاف إليها ألف مدرسة أخرى في عموم المحافظات. غير أن هذه الأرقام تبقى بعيدة عن سد العجز الكلي المقدر بثمانية آلاف مدرسة على الأقل.
ويتابع حديثه بالتأكيد على أن معالجة أزمة التعليم في العراق لا تقتصر على بناء المدارس فقط، بل تتطلب حلاً متكاملاً يشمل تحفيز الكوادر التدريسية، تحسين الرواتب، توفير المختبرات الحديثة، وسد النقص في التخصصات العلمية، إلى جانب الإسراع في إنجاز مشاريع الأبنية المدرسية المتوقفة.

استغلال الطلبة في السباق الانتخابي
وفي جانب آخر، ذكر الناشط في مجال التعليم محمد مهاوي ـ ماجستير علوم سياسية ـ أن المؤسسات التعليمية في العراق، ولا سيما الجامعات والمدارس الأهلية، باتت في كثير من الأحيان أداة بيد الأحزاب السياسية تُستغل لتحقيق مكاسب انتخابية على حساب العملية التربوية.
وقال مهاوي لـ«المدى» إن فريقه ومنذ عام 2015 أطلق العديد من المبادرات التطوعية المستقلة التي عالجت مشكلات عديدة في قطاع التربية والتعليم العالي، سواء في المدارس أو الجامعات. مضيفاً: «جهودنا كانت ذاتية، بعيدة عن أي انتماء سياسي، وتمكنا من إيجاد حلول لمشكلات كثيرة، لكن بعض التحديات كانت أكبر من إمكانياتنا، ولم نتمكن من معالجتها».
وأوضح أن أبرز الظواهر السلبية التي رُصدت تتمثل في تحوّل الجامعات والمدارس الأهلية إلى أدوات انتخابية، حيث يلجأ بعض المرشحين إلى تقديم تخفيضات للطلبة أو منح إجازات للموظفين بهدف كسب الأصوات، واصفاً ذلك بأنه «استغلال واضح للتعليم من أجل الدعاية السياسية».
وأشار مهاوي إلى أن المشكلة الأعمق تكمن في تبعية العديد من الجامعات والمدارس الأهلية إلى أحزاب سياسية، قائلاً: «حين تكون الأحزاب نفسها هي التي تقود وزارتي التربية أو التعليم العالي، فإن مؤسساتها التعليمية تحصل على امتيازات واستثناءات خاصة، ما يضر بمبدأ العدالة ويعزز المجاملات».
وبيّن أن هذه الظاهرة مرتبطة بشكل وثيق ببنية النظام السياسي القائم على المحاصصة والتوافق، وهو ما أنتج ـ بحسب تعبيره ـ «المشكلة الكبرى التي يعاني منها العراق». مؤكداً أن المجتمع المدني لا يعارض وجود المدارس والجامعات الأهلية بحد ذاته، بل يعارض انبثاقها من خلفيات حزبية ضيقة.
وتابع مهاوي بالقول: «نحن نرحب بأي مؤسسة تعليمية أهلية تواكب التطور العلمي وتقدّم مناهج حضارية حديثة، لكننا نرفض أن تكون غايتها سياسية أو انتخابية بحتة، لأن التعليم يجب أن يبقى بعيداً عن التجاذبات الحزبية»

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram