د. فالح الحمـــراني
لا حظ تقرير للمجلس الروسي للشؤون الخارجية، إن إسرائيل تأسست بموجب قرار من الأمم المتحدة، ومع ذلك، تواصل تحدي هذه المنظمة، سعيًا منها لوضع نفسها فوق القانون الدولي. وأشار الى ان نتنياهو شن مؤخرًا هجومًا على قطاع غزة، حيث يُحتجز حاليًا أكثر من مليون شخص. وأدانت القوى العالمية ودول الشرق الأوسط بأوضح العبارات استنكارها لخطة إسرائيل الرامية لاحتلال القطاع من جديد، ووصفتها بأنها تهدف إطالة الحرب ومن شأنها أن تُفاقم معاناة المدنيين وتجويعهم. وتتجه حكومة نتنياهو فعليًا نحو الاحتلال الكامل لهذه المنطقة.
وقال عالم السياسة الروسي الشهير أ. بيرلا، الذي يعمل في قناة تسارغراد التلفزيونية، إن النهج الحالي للسلطات الإسرائيلية يهدد وجود إسرائيل ذاته في الشرق الأوسط.
وخلص بالقول الى إن ممارسات تل ابيب درسٌ عمليٌّ لحلفاء أمريكا في المنطقة: فمهما كان الثمن، فإن إسرائيل أهم للولايات المتحدة من أي طرف آخر، ومهما كانت الظروف. منوها بانه ورغم أن ترامب وبخ نتنياهو على هجومه على قطر، فإنه لم يُتخذ أي إجراء عملي. ولم يتضح إلى أي مدى كانت واشنطن على علم بالعملية قبل تنفيذها، ولكن يبدو أنها كانت على علم بها. ولم تتدخل. وبرأيه بات من المشكوك به حل أية مشكلة بالمال، كما تعتقد الأنظمة الغنية، التي تواصل كسب ولاء الأقوياء بضخ الاستثمارات وشراء الأسلحة باهضه الثمن.
وعبرت ممثلة وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروف في ردها على سؤال اثناء احاطتها الأسبوعية عن استيائها للتحركات الإسرائيلية، وقالت: نرى صورًا مروعة لمعاناة الناس، المواطنين العاديين، من الأطفال والنساء. وإن ما يحدث للسكان المدنيين المسالمين في غزة أمر مروع. وأوضحت بصدد موقف موسكو: ننظر إلى مثل هذا قرار اجتياح غزة الذي اتخذته القيادة الإسرائيلية في ضوء السياسة التي تنتهجها في الآونة الأخيرة القائمة على خط تصعيد نطاق وكثافة العملية العسكرية في قطاع غزة. وحذرت من إن عواقب هذه الخطوة المثيرة للقلق واضحة: ستؤدي إلى المزيد من الضحايا بين المدنيين واستمرار تفاقم الوضع الإنساني الكارثي أصلًا. إلى جانب الغارة الجوية الأخيرة على الدوحة، تشير جولة التصعيد الجديدة في غزة إلى خطط إسرائيل لحل "مشكلة غزة" بالقوة (لا نريد النطق بذلك، ولكن بالنظر إلى تحركاتهم، فإن هذه خطوةٌ مُريعةٌ ومستهترةٌ للغاية) وعدم نيتهم العودة إلى طاولة المباحثات. وسيؤدي هذا إلى زيادة الخسائر بين السكان المسالمين.
وأكدت موقف روسيا الثابت بشأن ضرورة تكثيف جهود جميع الأطراف المعنية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة في أقرب وقت، وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع المحتاجين. ونحن على قناعة تامة بأنه لا يوجد بديل عن أساس القانون الدولي المعروف، لحل المشكلة الفلسطينية.
ونوه تقرير المجلس الروسي الى أن اعلان السلطات الإسرائيلية عن إنشاء مستوطنة كبيرة في الضفة الغربية، الذي يُقيّد وصول الفلسطينيين إلى القدس. ووفقًا لوزير المالية سموتريتش، فإن هذه المبادرة تجعل حل الدولتين مستحيلًا، وأعلنت الأمم المتحدة، في آب 2025، رسميًا عن واقع المجاعة في قطاع غزة، واصفةً إياها بأنها نتيجة مباشرة لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على القطاع. ووفقًا لوكالة الأمم المتحدة، لقي 313 شخصًا، بينهم 119 طفلًا، حتفهم جوعًا في غزة. وبينما غضّ الغرب الطرف خلال العامين الماضيين عن تدمير إسرائيل لغزة، أصبح حتى أصدقاء إسرائيل الآن قلقين بشأن قبول استخدام التجويع كسلاح حرب.
وفي تناوله لردود الفعل العالمية على تحركات إسرائيل تجاه الشأن الفلسطيني قال بانها أثارت إدانةً واستياء من المجتمع الدولي برمته، بما في ذلك من طرف غالبية الدول الغربية. وأصبحت إسرائيل فعليًا دولةً منبوذة في العالم نتيجةً لأفعال حكومة نتنياهو. والمجتمع الإسرائيلي نفسه منقسمٌ، وقد تأثرت شرائح هناك بقتل الأطفال والنساء الأبرياء. معيدا الاذهان الى أن إجمالي عدد القتلى والجرحى تجاوز 200 ألف منذ زمن طويل.
ونقل عن صحيفة هآرتس في 20 تموز اشارتها الى 2025: "الحكومة الإسرائيلية الحالية تدرك أن الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا مُعادٍ لإسرائيل.
لقد اكتمل تدمير غزة فعليًا، والضم العملي للضفة الغربية جارٍ على قدمٍ وساق. والبشرية تُدير ظهرها لإسرائيل، انها محرقة فعلية، ولكنها لليوم للفلسطينيين المساليمين. ومع تزايد زخم هذه العملية، سيصبح أولئك الذين يُواصلون خداع أنفسهم بلا خجل، مُختبئين من حقيقة ما يحدث، قريبًا موضع استنكار عالمي، وسيُنظر إليهم على أنهم مثل النازيين مرتكبي هولوكوست جديدة.
وأعرب المراقب السياسي رئيس تحرير مجلة روسيا في السياسة العالمية فيودور لوكيانوف عن دهشته من أنه في الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين، يجد شعب بأكمله (الفلسطينيون) نفسه رهينةً مُستميتةً لمأزق عسكري- سياسي وأيديولوجي تمر به اسرائيل، وتعتمد حصرا القوة البشعة للخروج منه، دون أي دبلوماسية فعلية. ولكن، وبغض النظر عن الحكم الأخلاقي، لا بد من الاعتراف بأنه لا توجد حاليًا أي عقبات أمام لتطبيق إسرائيل نهجها القائم على فرض سياستها بالقوة. منوها بان حماس إسرائيل منحت قبل العامين ذريعةً لأعمالٍ ما كان تبريرها ممكنًا لولا عملية تشرين الاول. واستثمرته للتذرع برفع كل الخطوط الحمراء والقوانين الدولية والانسانية جانبًا. وعندما يُعلن رئيس الوزراء نتنياهو الآن أنهم يُشنّون حربًا على سبع جبهات وأنهم مُستعدّون لتوسيعها، لم يعد هذا ادعاءً، بل بيانًا للهدف الذي كان قد خطط له حتى قبل عملية حماس.
وبرأيه بلغ شعار ترامب "السلام بالقوة" ذروته في إسرائيل - بالقوة، وبالقوة فقط. هذا قطيعة مع الدعوات السياسة التي استمرت على مدى ثلاثة عقود، وإن كانت في شكلٍ مُبهم. تحديدًا، التي دعت الى مبدأ الدولتين من خلال إجبار إسرائيل على تقديم تنازلات إقليمية وجوهرية ملموسة، ومساعدة الفلسطينيين على إقامة دولة فاعلة. وفي النهاية، لم ينجح أيٌّ من النهجين، ولكن لم يستطع أحدٌ الاعتراف بذلك علنًا. وتعتمد إسرائيل الآن على قدرتها على استخدام القوة ضد محيطها دفعةً واحدة. لا تُؤخذ الآثار الجانبية والأضرار الجانبية في الاعتبار. إن تفوقها العسكري والتكنولوجي لا يُنكر، وخصومها ضعفاء بشكل كبير. وليس هناك دولة مستعدة للتدخل لمساعدة مَن تنزل بهم إسرائيل الضربات. كما أن المعارضة الدولية السياسية لا تزال خطابية. وتدرك دول المنطقة، وفي مقدمتها الدول لعربية، وتركيا أيضًا، تغيّر موازين القوى، وليست مستعدة للمخاطرة.










