TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حرية التعبير تحت المجهر: هل تتحول الجامعات الأمريكية إلى ساحة صراع سياسي؟

حرية التعبير تحت المجهر: هل تتحول الجامعات الأمريكية إلى ساحة صراع سياسي؟

نشر في: 24 سبتمبر, 2025: 12:01 ص

محمد علي الحيدري

في سياق سياسي داخلي متشابك، شرعت الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، في اتخاذ إجراءات أثارت جدلاً واسعًا، تمثلت في التهديد بقطع التمويل الفيدرالي عن عدد من الجامعات الأمريكية الكبرى، بحجة التصدي لما تعتبره “معاداة للسامية” أو “انحيازًا أيديولوجيًا يساريًا متطرفًا”. ويتركز هذا التصعيد تحديدًا حول البرامج الأكاديمية والنشاطات الطلابية التي تتناول قضايا الشرق الأوسط، ولا سيما الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، في أعقاب موجة احتجاجات طلابية واسعة رفضت الحرب في غزة وانتقدت الدعم الأمريكي لإسرائيل.
هذه الخطوة تسلط الضوء على توتر متزايد بين حرية التعبير والسياسات الأمنية، وتكشف عن محاولة لربط السياسة الداخلية الأمريكية بالمواقف من قضايا الشرق الأوسط، في مشهد معقّد يعكس التداخل العميق بين الداخل والخارج في صناعة القرار السياسي. فبدلًا من التعامل مع الجامعات باعتبارها فضاءات مستقلة للحوار الفكري، تسعى الإدارة إلى فرض ضوابط على الخطاب الجامعي، تحت ذرائع تتعلق بالأمن الداخلي، مما يُنذر بتآكل حدود الحرية الأكاديمية.
في جوهر الأمر، تطرح هذه السياسة إشكالية مفاهيمية تتمثل في توسيع تعريف “معاداة السامية” ليشمل أي نقد موجه لسياسات الحكومة الإسرائيلية، وهو توسّع يخضع لاعتبارات سياسية أكثر من كونه تعريفًا حقوقيًا أو أخلاقيًا. وبهذا، تتحول التهمة إلى أداة سياسية تستخدم لفرض رقابة ضمنية على النقاش الأكاديمي، وتدفع الجامعات نحو تبني سياسات رقابية ذاتية تفضي إلى تقييد النقاش المفتوح، لا سيما في القضايا الجدلية والحساسة.
استراتيجياً، يعكس هذا النهج محاولة لإعادة رسم حدود حرية التعبير داخل المؤسسات الأكاديمية، بما يتماشى مع أولويات السياسة الخارجية للإدارة، لا سيما دعمها غير المشروط لإسرائيل. وتكمن الخطورة هنا في أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تهميش أصوات طلابية معينة، خاصة من أصول عربية أو مسلمة، وتخلق شعورًا بالعزلة والتمييز داخل الحرم الجامعي. كما أنها قد تُضعف قدرة الجامعات على تأدية دورها كمحاضن للتفكير النقدي، وتحويلها إلى أدوات تنفيذية في يد الدولة.
أما على المستوى العربي، فإن هذه التطورات تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل العلاقة الأكاديمية مع الولايات المتحدة. فالجامعات الأمريكية تستقطب آلاف الطلاب من الدول العربية، وتُعد شريكًا رئيسيًا في برامج التبادل والبحث العلمي. وعندما تصبح هذه المؤسسات عرضة للتسييس المفرط، لا سيما في قضايا تمس وجدان ووعي الشعوب العربية، فإن ذلك لا يؤثر فقط على صورتها، بل ينعكس أيضًا على موقع الولايات المتحدة كشريك أكاديمي موثوق في المنطقة.
لا شك أن حماية الطلاب من خطاب الكراهية تظل مسؤولية أساسية، لكن تحويل هذه الحماية إلى ذريعة لإسكات الأصوات المعارضة أو لتوجيه الخطاب الأكاديمي نحو رؤية سياسية أحادية، يُعد انتهاكًا صريحًا لمبادئ الحرية والديمقراطية.
إن الجامعات، بما تمثله من استقلال فكري وتعدد في الرؤى، يجب أن تبقى خارج حسابات الصراع السياسي، وألا تُستخدم كأدوات ضغط لإعادة تشكيل الوعي العام وفق أجندات آنية. فبينما تُوصف الديمقراطية الأمريكية بأنها نموذج عالمي، فإن المساس بحرية التعبير داخل مؤسساتها التعليمية قد يُفقد هذا النموذج كثيرًا من صدقيته، داخليًا وخارجيًا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram