TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الإخلاص إختيار لا يعرف الهزيمة أبداً ..

الإخلاص إختيار لا يعرف الهزيمة أبداً ..

نشر في: 25 سبتمبر, 2025: 12:02 ص

خالدة خليل

الإخلاصُ قيمة عليا لا يطيق حملها سوى القليل من البشر ، وامتحانٌ عسير، لا يجتازه إلا من صقل وفاءه في أتون التجارب القاسية ، وعرض قلبه لرياح الشدائد .
واختيارك أن تكون مخلصًا، هو أن توقّع عهداً مع ذاتك بأن تسلك الدرب الأصعب ، درباً لا يهبك غير خبز يابسٍ كصبر المنافي، وعرقٍ يتصبّب من جبينك وأنت تتسلّق جبال الحياة الوعرة، فيما يقف عند السفح كثيرون يتربّصون بك، يترقّبون عثرتك، منتظرين لحظة سقوطك ليزجوا بك إلى الهامش أو في منفى النسيان .
أن تكون مُخلِصًا، يعني أن تختار المسير وحيدًا في الدرب الأصعب ، في طريقٍ طويلٍ موحشٍ، مفروشٍ بالأشواك، محاطٍ بخناجر الغدر، في زمنٍ يعلو فيه ضجيج الباطل على همس الحق، وتُعرض القيم في أسواق النفاق بثمن بخس، وتُرفع الرايات فوق رؤوس المنافقين، وتُقرع الطبول للمقنعين بألف وجه !
يعني أن تمضي بلا أضواءٍ ترشدك ولا هتافٍ يرافقك، غير أنّ في أعماقك شعلة لا تنطفيء، وصفاء تعجز الأهواء عن تلويثه، وقيمةً أرفع من كل صخبٍ يضجّ به العالم من حولك.
أن تكون مخلصًا يعني أن تدفع ضريبة الانتظار، وترى الطريق ممهّدًا أمام عينيك لأصحاب السجلات السوداء الذين يتقنون التلون والتزييف، بينما تُترك أنت في الصف الأخير، تنتظر دورًا قد لا يأتي أبدًا.
يعني أن تحمل زوادة الصبر، وتشرب دموعك، وتراقب عمرك يحترق كشمعةٍ في عتمةٍ بلا شهود، تضيء لنفسها طريقًا لا يراه غيرك!
ولأنك صادق مع قضيتك، تعيش غريبًا بين أهلك؛ يرونك شاحبًا ، يديرون وجوههم عنك، بينما يصفقون بحرارة للمراوغين الذين يحوّلون الباطل بالسحر إلى الحق، ويخفون الخداع خلف ستار الصواب.
أن تكون مخلصًا يعني أنك تدرك حجم ضريبة الوفاء، في عالم يحكمه الانتهازيون؛ عالم تُفتح أبوابه على مصراعيها للمخادعين وتُغلق في وجه من ظلّت صحيفته بيضاء ناصعة. فالصفحات البيضاء لا تجذب الفضول، ولا تخطف الأبصار، في زمن تُقدَّر فيه المظاهر وتُهمل القيم .
ولأنك اخترت الإخلاص، فلا تنتظر أحدًا ليجزيك بكلمة طيبة، حتى لو كانت صدقة. فقد تعصف بك غيرةٌ عاتية، أو تلفح وجهك ريحُ سمومٍ تخنق أنفاسك، لتجد نفسك وسط الزوابع، في مواجهة بركانٍ هادر من الزور والبهتان، تقاتل طواحين المديح الزائف من حولك بسيفٍ خشبي !
الإصرار على الإخلاص هو أن تُخالف التيار الجارف، أن تصمد في وجه جيوش المرائين، وأن تختار الموت واقفًا على أن تحيا منكسِرًا.
أن تصرّ على الإخلاص، هو أن ترفع صوتك عاليًا في وجه الزمن الرديء، وتعاهد نفسك على انك لن تنحني أبدًا، ولن تساوم على وفائك، ولو تخاذل عنك الجميع.لأن الإخلاص جوهرةً تتلألأ في وحل هذا الزمن العليل، لا يخفت بريقها تحت رماد الخيبات، ولا تقوى فؤوس المغشوشين على كسرها.
إنه تاجٌ لا يليق إلّا بالرؤوس التي رفعها الله فوق مقاييس البشر، وشهادة صامتة على صمود القيم النقية، ونغمة صادقة في سيمفونية الزيف التي تملأ عالم التفاهة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram