TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الاعتذار للسراق!!

العمود الثامن: الاعتذار للسراق!!

نشر في: 25 سبتمبر, 2025: 12:06 ص

 علي حسين

لا تزال سنغافورة على قائمة الدول الأكثر تطوراً اقتصادياً ومعيشيا، وكانت هذه الجزيرة الصغيرة قبل ما يقارب الستين عاماً مجرد مستنقع للبعوض، وقف "لي كوان" وسط قبّة البرلمان السنغافوري ليعلن أنهم لا يستطيعون تسديد الرواتب لموظفي الدولة، ثم يُخرج ملفًّاً يضمّ تصوره لبناء دولة قوية شعارها "بناء مجتمع عادل وليس مجتمع رعاية اجتماعية"، كان الناتج السنوي أقل من مليار دولار، ويوم ودّع لي كوان الحياة قبل ستة أعوام، كانت الأرقام التي نشرتها الإيكونومست عن مؤشر جودة الحياة، تؤكد انها الافضل في العالم.
سيقول البعض يارجل مالك تقلّب بدفاتر الدول "الكافرة"، ولا تريد أن تلاحق المثير وتلقي الضوء على الحاضر في دولة مؤمنة مثل العراق توقف الحال فيها عند عبقرية بعض نوابنا الاعزاء الذين نشاهدهم كل يوم تحت قبة البرلمان يلقون محاضرات عن فنون الضحك على المواطنين وسرقة المال العام والانتهازية، وكيف يتحول النائب من موظف بسيط إلى ملياردير في اربع سنوات . يا سادة، الحاضر في العراق يخبرنا أصحابه أنّ جريمة سرقة المال العام، جريمة غير مخلة بالشرف، ولهذا من حق الذين "لغفوا" أموال العراق، أن يتنافسوا على كراسي البرلمان، بينما يعاقب بالسجن المشدد كل من أساء إلى "الرموز" الوطنية التي اشاعت الخراب منذ 22 عاما وحتى هذه الساعة.
حين تكتب الصحف العالمية عام 1965 أن "هناك تنبّوءاً بأن "سنغافورة لن تبقى على قيد الحياة أكثر من ثلاث سنوات، ولا يوجد في الموقف الحالي ما يوحي بأنها قادرة على البقاء إلى يوم غد"، يردّ لي كوان: "إن البلدان تموت حين تفقد القدرة على توفير الحياة الكريمة لمواطنيها، وبما أننا قررنا أن نعيش أحراراً فلن تختفي سنغافورة من الخارطة"، ويقول لمراسل الواشنطن بوست: "المناضلون الذين تناوبوا على حكم بلداننا تحولوا إلى نهّابين، ولهذا عندما أقسمت اليمين طلبت من جميع أعضاء الحكومة أن يرتدوا قمصان بيضاً وبناطيل بيضاء لنرمز إلى الأمانة."
كلّ العالم ينظر اليوم إلى العراق ويضرب كفًّا بكفّ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب ابراهيم الجعفري وبشعارات صالح المطلك، إلى الوراء، إلى مجرد دولة تضحك على المواطنين بوعود أطلقتها الحكومات منذ 2003 وحتى لحظة كتابة هذه السطور عن مشاريع الإسكان والتنمية والصحة والتعليم والكهرباء التي لا نزال نتوسل إيران حتى لا تقطعها عنا.
كل يوم تُسرق أموال البلد، لكن البرلمان مشغول بنكتة عدم اكتمال النصاب، لأن راحت النواب أهم من نسبة الفقر التي يعيش فيها الملايين في كل مرة تطلب الدولة من الفقراء والمعدمين وحدهم أن يتحملوا أكثر مما يتحملون، وأن يشدوا الأحزمة، لكن ماذا عن الطبقة السياسية التي أكلت الأخضر واليابس؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Khalid muftin

    منذ 2 شهور

    عندما يتحولا البلد إلى بقرة حلوب لدول الجوار بمباركة سياسين فاسدين وعملاً للأجنبي.فاقراء السلام.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

العمود الثامن: لماذا خسرت القوى المدنية ؟

العمود الثامن: مع الاعتذار لعشاق الانتخابات !!

العمود الثامن: ماذا حـدث؟

عندما يجفُّ دجلة!

العمود الثامن: ماذا حـدث؟

 علي حسين قالها صديق عاد إلى الوطن بعد غربة طويلة.. سألني: لماذا أصبحت الهوية الطائفية حاضرة بقوة هذه الأيام؟ هل لأنّ هناك خطراً على الشيعة، أم أن السـُّنة يتعرضون لحملة اجتثاث؟ كانت أسئلته...
علي حسين

تحالف القضية الإيزيدية: خطوة أولى نحو تحالف وطني يتجاوز المكوناتية

سعد سلوم هل يمثّل فوز تحالف القضية الإيزيدية ولادة قوة سياسية جديدة للأقليات في العراق؟ وهل نجح الإيزيديون، عبر هذه التجربة، في إعادة تعريف التمثيل السياسي الذي ظل لعقود حبيس الكوتا والتجاذبات الحزبية؟ وهل...
سعد سلّوم

مرشّح التسوية: حين يتحوّل الانسداد السياسي إلى تقليدٍ لإنتاج الحكومات

محمد علي الحيدري باتت التجربة العراقية، عبر دورات انتخابية متعاقبة، تؤكّد معادلة ثابتة تكاد تُختصر بجملة واحدة: رئيس الوزراء الأكثر حظاً ليس صاحب الكتلة الأكبر، ولا زعيم القائمة التي تتصدّر النتائج، بل هو «مرشّح...
محمد علي الحيدري

قسوة الأرقام... والذكاء الاصطناعي

غسان شربل قالَ السياسيُّ العربيُّ إنَّه يشعر بالاستفزاز كلّما قرأ عن الذكاء الاصطناعي والتغييرِ المذهل الذي سيُدخلُه في حياة الدول والأفراد. والاستفزاز ليس وليدَ شعور بالصدمةِ من تغيير هائلٍ يقترب ولن يتمكَّنَ أحدٌ من...
غسان شربل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram