النجف/ عبدالله علي العارضي
يشهد أصحاب صالونات الحلاقة في النجف منذ أسابيع موجة من القلق والاستياء بسبب الارتفاع المفاجئ في الضرائب والرسوم الحكومية المفروضة عليهم، معتبرين أن هذه القرارات تهدد وجود مشاريعهم الصغيرة وتدفع الكثير منهم إلى التفكير في الإغلاق، في وقت تتراجع فيه القدرة الشرائية للمواطنين وتتزايد الأعباء المعيشية على مختلف الفئات. ويؤكد العاملون في هذه المهنة أن الضغوط الجديدة أضيفت إلى قائمة طويلة من التحديات التي يواجهونها يوميًا، بدءًا من انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الإيجارات، وصولًا إلى تراجع أعداد الزبائن، ما جعلهم في مواجهة مفتوحة مع خطر الإفلاس.
محمد الخفاجي، شاب يملك صالون حلاقة في أحد أحياء النجف، تحدث للمدى بمرارة عن أوضاع مهنته التي تشكل مصدر رزقه الأساسي، قائلاً:
“أنا صاحب صالون حلاقة، وخلال هذه الفترة مررنا بظروف صعبة، من انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الإيجارات، لكن ما نشهده اليوم من ضرائب ورسوم جديدة أثقل كاهلنا بشكل غير مسبوق.
في السابق كنا ندفع مبالغ معقولة نستطيع معها أن نستمر ونغطي مصاريفنا (30 ألف دينار كأجور تجديد الإجازة)، أما الآن فقد تضاعفت الرسوم لتصل إلى (250 ألف دينار)، مما يلتهم جزءًا كبيرًا من دخلنا اليومي”.
ويضيف الخفاجي أن الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد، بل طالت طبيعة العلاقة مع الزبائن أنفسهم: “الزبائن أيضًا لم يعودوا كما كانوا، فالوضع الاقتصادي أثر على قدرتهم الشرائية، والكثير منهم أصبح يطلب خدمات أرخص أو يقلل من تردده على الصالون.
ومع ذلك، نحن مطالبون بدفع ضرائب عالية لا تراعي ظروف السوق ولا أوضاعنا كأصحاب مشاريع صغيرة. أشعر أن الحكومة تلجأ دائمًا إلى الفئات البسيطة لسد عجزها المالي، بدلًا من معالجة الهدر الكبير في مؤسسات الدولة أو فرض نظام ضريبي عادل على الشركات الكبرى”.
ويتابع الخفاجي بقلق واضح: “اليوم أخشى أن أضطر في أي لحظة إلى إغلاق الصالون إذا استمرت هذه الضغوط، لأنني لم أعد أستطيع تغطية مصاريف الإيجار والضرائب وفواتير الكهرباء والعمال. نحن لا نطلب الكثير، فقط عدالة في تطبيق الضرائب، وأن تكون هناك سياسات تحمي المشاريع الصغيرة بدلًا من خنقها”.
حيدر الفتلاوي، وهو صاحب محل حلاقة آخر في النجف، قدّم صورة مشابهة عن الأوضاع، لكنه شدد على الجانب التاريخي والاجتماعي لهذه المهنة، فقال للمدى:
“أنا أعمل في مهنة الحلاقة منذ ما يقارب العشر سنوات، وقد ورثت هذه المهنة عن والدي، وكانت مصدر رزقنا الوحيد. لكن خلال العام الحالي فوجئت بارتفاع الضرائب التي تُفرض علينا، حيث إن المبالغ المطلوبة أكبر بكثير مما كنا ندفعه في الأعوام السابقة. الحكومة تقول إنها تسعى لسد العجز المالي، لكن لماذا يتم ذلك دائمًا على حساب المواطن البسيط؟”.
ويشرح الفتلاوي تفاصيل المعاناة اليومية التي يعيشها: “الصالون لا يدر أرباحًا كبيرة كما يتصور البعض، فنحن نغطي الإيجار، والكهرباء، ورواتب المساعدين، والمواد المستخدمة، ومع كل هذه الالتزامات تأتي الضرائب المرتفعة لتأخذ ما تبقى. النتيجة أننا نعمل طوال اليوم ولا نحصل في النهاية إلا على القليل”.
ويشير إلى أن انعكاس الأزمة طال الزبائن أيضًا: “الأدهى من ذلك أن كثيرًا من زبائني أصبحوا يشتكون من ارتفاع الأسعار، وأنا مضطر لرفع الأجرة قليلًا حتى أستطيع مواكبة النفقات، لكن هذا جعل البعض يقلل من زياراته أو يبحث عن حلاقة أرخص. هكذا نحن نُضرَب من الجهتين: المواطن غير قادر على الدفع، ونحن غير قادرين على الاستمرار”.
ويختم الفتلاوي حديثه برسالة موجهة إلى الجهات المسؤولة: “ما نحتاجه ليس المزيد من الضرائب، بل دعم حقيقي يضمن بقاء هذه المهنة وغيرها من المهن الصغيرة.
لو استمر الحال بهذا الشكل، سيغلق الكثير من المحلات أبوابها، وسينضم أصحابها إلى طابور البطالة. نحن نريد من الدولة أن تضع خططًا اقتصادية عادلة، وأن تنظر إلينا كجزء من الحل لا كوسيلة سهلة لسد عجزها”.
أمام هذه الشكاوى، برز موقف رسمي من دائرة صحة النجف التي ردت على الانتقادات، إذ قال مدير إعلامها ماهر العبودي في تصريح لـ(المدى):
“نحن كدائرة صحة النجف نلتزم بما يردنا من توجيهات وزارية مركزية، وردت إلينا عبر كتب رسمية للرقابة الصحية، تضمنت آلية استيفاء أجور الإجازة الصحية للممارسة المهنية استنادًا إلى المادة (21/أولًا) من قانون الموازنة الاتحادية للأعوام 2023 – 2025”.
وأضاف العبودي أن “هذه القرارات تمت المصادقة عليها من قبل وزير الصحة بناءً على محضر اجتماع لجنة دراسة الواقع الحالي للتمويل الصحي المنعقد بتاريخ 10 تموز 2025”، مبينًا أن “القرارات نصّت على استيفاء مبلغ (100 ألف دينار) عن صالونات الحلاقة ذات الكرسي الواحد، و(250 ألف دينار) عن الصالونات التي تحتوي على أكثر من كرسيين اثنين”.
وأشار إلى أن “هذه الإجراءات تأتي ضمن محاور التمويل الصحي الجديدة التي أقرتها الوزارة، وتشمل أيضًا خدمات أخرى كإضافة رسوم فحص مضادات الحوامل في المستشفيات الحكومية والأهلية”.
في سياق متصل، كشف الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في حديثه للمدى أن “هذه الضرائب الجديدة هي جزء من ما وصفته الحكومة بالإصلاح الضريبي، الذي يهدف إلى توسيع الوعاء الضريبي والحصول على المزيد من الإيرادات عبر إخضاع مختلف الدخول للضرائب”. وأوضح المرسومي أن “هذه الإجراءات تأتي نتيجة الوضع المالي الصعب الذي يعيشه العراق بعد تراجع أسعار النفط، ما دفع الحكومة إلى البحث عن موارد غير نفطية لسد الفجوة بين السعر المخطط في الموازنة وسعر السوق العالمية”.
وأضاف أن “ابتداءً من العام المقبل سنشهد توسعة كبيرة في الوعاء الضريبي ليشمل فئات أوسع، ربما تصل إلى المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وغيرها، فضلًا عن إجراءات مالية إضافية قد تتضمن إلغاء نظام البطاقة التموينية للعوائل التي يعيلها شخص يتجاوز راتبه المليون ونصف دينار”.
وأشار المرسومي إلى أن “هذه السياسات قد ترافقها أيضًا خطوة رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، لزيادة الإيرادات العامة التي تعتمد عليها الدولة في تمويل نفقاتها”، لافتًا إلى أن “العام القادم سيكون نقطة مفصلية في تطبيق هذه الإجراءات المالية التي ستؤثر بشكل مباشر على مختلف الشرائح الاجتماعية”.
وفي قراءة أوسع للمشهد، يرى مراقبون أن الأزمة لا تقتصر على صالونات الحلاقة أو المقاهي فقط، بل تعكس أزمة اقتصادية متصاعدة.
عبد الله الشمري، المراقب للشأن العام العراقي، أوضح في حديثه للمدى أن “الوضع الاقتصادي في العراق خلال الأشهر المقبلة يبدو معقدًا ومليئًا بالتحديات، وهو انعكاس طبيعي لسنوات من غياب السياسات الاقتصادية المستقرة والمعالجات الجذرية للعجز المالي”.
وبيّن أن “الجديد في المرحلة الحالية هو شمول المشاريع الصغيرة والمتوسطة مثل المقاهي والصالونات التي تُعَد متنفسًا يوميًا للمواطنين ومصدر رزق لآلاف الأُسَر. لكن فرض الضرائب بهذا الشكل قد يؤدي إلى نتائج عكسية، أبرزها إغلاق هذه المشاريع وارتفاع نسب البطالة”.
وأكد الشمري أن “استمرار هذا النهج يحمل مخاطر اقتصادية واجتماعية مزدوجة. فمن الناحية الاقتصادية، يؤدي الضغط على المشاريع الصغيرة إلى تراجع الإنتاج المحلي وزيادة البطالة، ومن الناحية الاجتماعية يعمق شعور المواطنين باللاعدالة ويزيد التوتر مع الحكومة، خصوصًا في ظل غياب إجراءات إصلاحية حقيقية تشمل مكافحة الفساد وترشيد الإنفاق”.
ويختتم المراقب حديثه بالقول: “الأشهر المقبلة ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على إدارة الأزمة المالية. فإذا استمرت السياسات الحالية من دون تغيير، فإن النتيجة المتوقعة هي مزيد من التراجع في ثقة الشارع، وارتفاع نسب البطالة، وتدهور أوضاع الشرائح المتوسطة والفقيرة. أما إذا استُثمرت الأزمة كفرصة لإطلاق إصلاح اقتصادي شامل قائم على تنويع الموارد، فإن العراق قادر على تجاوز هذه المرحلة ووضع أسس متينة لاقتصاد أكثر عدالة واستقرارًا”.










