عرض/ علاء المفرجي
تاريخ المرأة مليء بالظلم والعبودية، ولكن كتاب (البؤس الأنثوي) الذي كتبه المفكر فالح مهدي، يقدم رؤية فريدة من نوعها. حيث يعتمد مهدي على مجموعة واسعة من الفروع المعرفية مثل الأنثروبولوجيا، علم الاجتماع، علم النفس، الفلسفة، اللغة، الثقافة، الفقه والقانون لتقديم تحليل شامل ومتكامل، يتناول الكتاب سطوة الرجل وهيمنة الأيديولوجية الذكورية بدءًا من عصر الصيد وجمع القوت وصولا إلى العصر الزراعي الذي شهد بزوغ حضارات عظيمة مثل المصرية، ووادي الرافدين، والهند والصين. في هذا الكتاب، نجد مادة غنية حول النظم العائلية ومفاهيم الشرف والعار في العالم القديم، إضافة إلى مادة علمية ومشوقة حول معمق وميز لكينية لشره وتطور الأنظمة التي ادت إلى قمع المراة مما يجعله مرجعًا هامًا لكل من يهتم بفهم التاريخ ودور المرأة فيه.
لا يبغي المؤلف بكتابه هذا الدفاع عن المرأة، إنما بالكشف عن الآليات الأيديولوجية في العالم القديم. وكما يقول عالم الاجتماع الفرنسي «بيير بورديو» فإن الكشف عن عمل أية آلية لنظام معرفي يتضمن في ذاته نقدًا لذا سأقوم بقراءة ثقافة العالم القديم عن المرأة والمتمثلة بعلاقات القوى. هذه القراءة دفعته وبدافع الفضول الشديد-كما يقول- للتعرف على النظم العائلية التي أنتجها الحيز الزراعي. والتي تكشف لنا التنوع المذهل في ثقافة المكان..
لا يمكن الكلام عن المرأة في الزمن المعاصر دون التطرق إلى أعمال «فرويد»؛ فهو الرائد الأول في موضوع الغريزة الجنسية، بل اعتبر الجنس في حاله تساميه أساس الحضارة والمحرَّك للنشاطات الإنسانية بما فيها العنف والحروب. فرويد احد الأبناء النجباء ل «دارون» ونظريته التطورية، إنما أصبحت نظريته عن الجنس وأحكامه عن المرأة محل نقد شديد. سنعود له في ثنايا هذا البحث وعن إبرازه للجنس كمحرك للتاريخ. في نظرية «فرويد» تعتبر المرأة مؤسسة للتحليل النفسي، إنما اعتبرت كتاباته عن المرأة معبرًا عن مركزية القضيب، وسنعود لهذه النقطة لاحقًا التي أوجدت مفاهيم «دونية المرأة» بالنسبة للرجل. فرويد مؤسس لهذا الجانب المعرفي ونالت افكاره وكتاباته الكثير من النقد والتحامل حتى من قبل تلامذته.
يقول المؤلف فالح مهدي : تجنبت الدخول في هذه الدراسة في موضوع الجندر، فلا زال هذا الموضوع محل جدل كبير بين كبار الباحثين، وبين الحركات النسائية في الغرب لا بل أصبح موضع مزايدات؛ مما دفع الفيلسوفة الأمريكية «جوديث بتلر» إلى إصدار دراسة مهمة حقًّا في عام 1990 بعنوان «قلق الجندر» .
كان العنوان الفرعي مثيراً للدهشة، فتَحْت عنوان «النسوية وتخريب الهوية» وقفَتْ هذه الكاتبة وبشجاعة أمام الحركات النسوية التي لا تنادي فقط بالمساواة بين الرجل والمرأة بل إعادة كتابة التاريخ على ضوء الأطروحة التي سادت في القرن التاسع عشر وأخذ بها ماركس وإنجلز؛ المتمثلة في وجود عصر أموي قبل العصر الأبوي، بل قامت ومن الفصل الأول بنفي أطروحة «سيمون دي بوفار» والمتمثلة في كتابها الشهير «الجنس الثاني» على النحو التالي «لا تُولَد الواحدة امرأة، بل هي تصير كذلك». المادة التي كتبتها «سيمون دي بوفار» تجاوَزَها الزمن ليس من قبل «جوديث بتلر» فحسب، بل من قبل عدد كبير من كبار الباحثين وآخرهم، «فرنس دو فال».
وفالح مهدي: ولد في بغداد في عام 1947، بعد تخرجه في كلية القانون في بغداد عام 1970، اتجه لدراسة الموضوع الديني إضافة إلى الرغبة والفضول في معظم الأبواب الأدبية والثقافة المتعلقة بالإنسان، وقد تُوِّج ذلك الجهد بدراسةٍ بعنوان (البحث عن منقذ: دراسة مقارنة بين ثماني ديانات). ونشر في بيروت من قِبَل دار “ابن رشد” عام 1981. وبعد مرور عشر سنوات أعيد طبعه من قِبَل مكتبة “مدبولي” في القاهرة عام 1991. وما زال ذلك العمل يطبع ويستنسخ حتى هذه اللحظة!
ومن مؤلفاته: استقراء ونقد الفكر الشيعي، تاريخ الجنة ، البؤس الأنثوي : دور الجنس في الهيمنة على المرأة، تاريخ الخوف: نقد المشاعر في الحيز الدائري، البحث عن جذور الإله الواحد، صلوات العالم: قراءة نقدية في ثقافات العالم الروحية، الخضوع السني والإحباط الشيعي- نقد العقل الدائري.. وغيرها.
كتاب البؤس الأنثوي .. دور الجنس في الهيمنة على المرأة

نشر في: 29 سبتمبر, 2025: 12:01 ص









