بغداد - علي الدليمي
ودعت الحركة الفنية في العراق الفنان التشكيلي غالب المنصوري، الذي غادرنا بعد صراع طويل مع المرض. والمنصوري أحد الأعمدة الرئيسية الفاعلة في الحركة الفنية العراقية المعاصرة، طوال أكثر من نصف قرن، وقد ترك بصمة فنية شاخصة لا تمحى في المشهد التشكيلي العراقي..
ورغم إغترابه الطويل، كان المنصوري دائم التواجد في المتحف الوطني للفن الحديث، خلال إجازاته في بغداد، محافظًا على اتصاله بجذوره الفنية وأصالته، ومستمرا في التواصل مع جمهوره ومحبي فنه. ستظل ذكراه حاضرة في المشهد الفني العراقي.
تجربة المنصوري الفنية المتميزة، التي حملت روح الهوية العراقية الأصيلة، ستظل محطة مهمة في تاريخ الفن العراقي. سيفقد الوسط الفني العراقي أحد رموزه البارزين، وستبقى أعماله الفنية شاهدة على عطاءه وإبداعه.
ولد الفنان غالب عباس موسى المنصوري عام 1953 في بيت طيني واسع في قرية الكعبوري الصغيرة على ضفاف نهر الفرات، في ناحية القادسية بالنجف.
كانت جدته تلعب دورا كبيرا في حياته، حيث تركت بصمتها على خده بلمسة حنونة بعد نشر الغزل الصوفي على مشراب بين نخلتين. هذه اللحظة المبكرة فتحت عينيه على ألوان زاهية تتراقص بإيقاع الشمس، مما ألهمه بحب الألوان والفنون.
ومع ذلك، كانت أمه ترفض فكرة انخراطه في مهنة الحياكة، وترى أنها لا تليق به، وتشجعه على اللعب بالطين بدلاً من ذلك.
دفع هذا التناقض غالبا إلى التوفيق بين حب جدته وأمه، فاتجه نحو الفن التجريدي، حيث وجد مساحة للتعبير عن نفسه بطريقة فريدة ومبتكرة. هذه التجربة المبكرة تركت تأثيرا عميقا في مسيرته الفنية، وشكلت رؤيته الفنية الخاصة.
بدأ المنصوري مسيرته الفنية كرسام إنطباعي متميز، متأثرا بأستاذه الفنان فائق حسن. أنتج خلال هذه الفترة عددا كبيرا من اللوحات الإنطباعية التي جسدت جماليات متنوعة، مثل المدينة ونخيلها وأشجارها وأزهارها الزاهية، والصحراء بواديها وفرسانها الأقوياء. هذه الأعمال تعكس تأثره بالطبيعة العراقية وتنوعها، وتبرز قدرته على التقاط تفاصيلها وجمالها من خلال أسلوب إنطباعي مميز.. فضلاً عن تجاربه الفنية الأخرى التي قدمها وفيها وظف الحرف العربي فيها بشكل متميز.
درس في مدارس النجف وأكمل دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد. بعد تخرجه، عمل في عدة مجالات فنية وإعلامية، بما في ذلك التدريس والرسم والكتابة النقدية. شارك في العديد من المعارض الفنية داخل وخارج العراق، وأنجز جداريات كبيرة عن المعارك العربية التاريخية. حصل على شهادات تأهيلية في صيانة الآثار والممتلكات الثقافية من اليونسكو. أقام عدة معارض فنية، بما في ذلك "طلاسم" و"سمفونية التراب" و"تهاويل لونية". بالإضافة إلى ذلك، عمل ككاتب وناقد فني، وأسس صحيفة "كل جديد" عام 2003. ترك المنصوري بصمة فنية مميزة في المشهد الفني العراقي.










