سعيد بزدار
ترجمة عدنان علي
تحمل المرحلة الحالية من التمرد البلوشي أوجه تشابه لافتة مع موجة ما بعد عام 2006، عندما انضم آلاف الشباب البلوشي إلى الجماعات المسلحة. وبينما تباطأ النشاط بين عامي 2013 و2017، عزا الكثيرون هذا التراجع إلى تكتيكات باكستان القاسية - العقاب الجماعي، وحرق المنازل، واختطاف أقارب المقاتلين المشتبه بهم. ومع ذلك، يجادل المطلعون بأن السبب الحقيقي لم يكن قمع الدولة، بل النزاعات الداخلية، وصراعات القيادة، والانقسامات الفصائلية داخل الجماعات نفسها.
انتهى هذا الفصل الآن. فمنذ عام 2018، عاود التجنيد الارتفاع، لكن هذه المرة اختلفت الديناميكيات. فالجماعات المسلحة أكثر تنسيقًا، وصراعاتها الداخلية محسومة إلى حد كبير، وقيادتها أكثر قدرة على التكيف. وعلى عكس الجيل السابق من المقاتلين - الذين قلل الكثير منهم من شأن انتقام الدولة الوحشي - فإن المجندين اليوم يعرفون تمامًا ما ينتظرهم. لقد شهدوا إحراق منازل، وتشتيت عائلات، وحتى قطع رؤوس مقاتلين أسرى، كما حدث أثناء عملية شور-بارود. ورغم هذا الوعي، يواصلون الانضمام بأعداد متزايدة، مما يزيد من صعوبة احتواء هذه الموجة.
يحدث تحول كبير في تركيبة المجندين. فكثير منهم طلاب جامعيون أو خريجون، مهرة، متعلمون، وواعون سياسيًا. لم تعد الحركة تهيمن عليها فئة الشباب الريفي محدودي الخبرة؛ بل أصبحت الآن تستمد قوتها من الطبقة الوسطى المتعلمة، حاملةً معها انضباطًا جديدًا، وأساليب تنظيمية، واستراتيجيات تواصل. ويكتسب دور المرأة أهمية مماثلة. فبينما دخلت النساء القتال لأول مرة من خلال الجيش الجمهوري البلوشي عام 2011، ظلت مشاركتهن المباشرة محدودة لسنوات، وتحولت بدلًا من ذلك إلى الاحتجاج السلمي. تغير ذلك في عام 2022 عندما نفذت شاري بلوش، وهي أم ومعلمة، هجومًا انتحاريًا في كراتشي. وتبعتها امرأتان أكثر تعليمًا، مما يشير إلى مرحلة جديدة لا تُعتبر فيها النساء رمزًا للتحدي فحسب، بل مقاتلات فاعلات أيضًا. ومنذ ذلك الحين، استعرض لواء المجيد التابع لجيش تحرير بلوشستان متطوعات في بياناته الإعلامية، مؤكداً أن المرأة جزء لا يتجزأ من النضال
تطور المشهد التنظيمي أيضًا. انتقلت القيادة من الهياكل القبلية التقليدية إلى الهياكل الجماعية الحديثة. ويعكس تشكيل منظمة «BRAS”، وهي جماعة جامعة، هذا التغيير. بل أصدرت المنظمة بياناتٍ تُعلن فيها العفو عن من تعاونوا سابقًا مع باكستان، مما يُظهر تحولًا نحو المصالحة داخل المجتمع البلوشي نفسه. ومن العوامل المهمة الأخرى التوارث بين الأجيال. فقد نشأ العديد من مقاتلي اليوم في ظل الحرب، وشهدوا الانفجارات والغارات والجثث طوال حياتهم. فبالنسبة لهم، المقاومة ليست قضيةً مجردة، بل واقعٌ مُعاش. ووفقًا لمصادر داخل جيش تحرير بلوشستان، فإن لواء مجيد يضم بالفعل فائضًا من المتطوعين، ينتظر الكثير منهم منذ سنوات دورهم في العمليات.
مع ذلك، ظل نهج باكستان في مكافحة التمرد ثابتًا. ولا تزال الدولة تعتمد على القوة الغاشمة - العمليات الجماعية، والقتل خارج نطاق القضاء، والعقاب الجماعي. وبدلًا من قمع التمرد، فإن هذا يُغذيه أكثر فأكثر. كل منزل مُدمّر، وكل قريب مُختطف، وكل جثة مُشوّهة تُضيف مُجندين جددًا إلى صفوف المتمردين. ورغم هذه التحولات، لا تزال استراتيجية باكستان لمكافحة التمرد دون تغيير يُذكر. لا تزال الدولة تعتمد على القوة الغاشمة، والعقاب الجماعي، والأساليب خارج نطاق القضاء، مُعكسةً بذلك استجابتها منذ بدء التمرد. قد يُخمد هذا النهج النشاط مؤقتًا، لكنه يُغذّي باستمرار دورات من التمرد المُتجدّد. كل استخدام للقوة يُفاقم المظالم، ويُنشئ مُجندين جددًا بدلًا من القضاء على التمرد.
يُجادل المُحللون بأن الحل العسكري البحت غير مُستدام. ولكسر هذه الحلقة، لا بدّ من إجراء مفاوضات في نهاية المطاف. ومع ذلك، لطالما رفضت باكستان الحوار، مُعتمدةً بدلًا من ذلك على الهيمنة العسكرية. لإجراء مُحادثات جادة، قد تكون الوساطة الخارجية ضرورية، إذ لا تُظهر إسلام آباد استعدادًا يُذكر لتجاوز “لغة السلاح”. وبدونها، ستُصبح دورة سفك الدماء في بلوشستان...