طاهر علوان – بروكسل حياة المرأة الشرقية / العربية كانت وستبقى موضوعاً أثيراً وجديراً بأن يمضي المشاهد خاصة الغربي في تتبع فصوله ، تلك الحياة الغاطسة في محيط مجتمع مازال لم يحسم أمره في فاعليتها ومساواتها هذا إذا تمت مساواتها حتى في أكثر البلدان تطوراً ... هذا الموضوع الأثير الذي يشكل قاسما مشتركا
ودافعا قويا للفضول يدفع باتجاه مزيد من التساؤل والغوص في ذلك العالم الذي تحفه تقاليد فولكلورية وقبلية طمست الحقائق وأضفت على كثير من تلك الظواهر والمظاهر القشرية الفولكلورية طابعا من القداسة المزيف، وكان الثمن هو الجهل والتخلف وإهدار الطاقات والموارد البشرية ، وكانت المحصلة هي مزيد من البؤس والتخلف والعودة الى الخلف في بلاد مازالت تراجع نفسها ألف مرة قبل ان تمنح تلك المرأة رخصة لقيادة السيارة وكان حريا بالأوائل ان يفكروا في منحها رخصة لركوب الجمل ..المرأة قارورة العطر والبيضة المكنونة والدرة الصافية وكل الكلام المنمق القائم على الزيف والدجل باتجاه استرقاق واستعباد المرأة هو جزء من خطاب ذكوري بامتياز جعل الرجل شيخاً للقبيلة حتى في داخل الأسرة ومواقع العمل وفي الشارع وفي كل مكان ويا ليتها تلك القبيلة بلغت شأواً في منافستها أعتى موجات التقدم والمدنية ويا ليتها وجدت لها موقعاً في ذيل قائمة الأمم ...هذا وغيره لاشك في انه دافع مهم ترسخ في ذهن المخرجة التونسية الشابة رجا عماري وهي تقدم فيلمها الذي حمل عنوانين (الدواحة ) و(أسرار) وعرض في الدورة الأخيرة لمهرجان السينما المستقلة في بروكسل ونال جائزتين من جوائزه وهما جائزة لجنة التحكيم وجائزة سينما الغد للمخرجين الواعدين . انه نوع من البحث الضمني في قرارة السؤال الأنثوي المكرر الذي تحول إلى لازمة ، عن ذلك السلوك الذي يدفع المرأة الى ردود أفعال ما ، سلوكيات تتناسب مع ما نشأت عليه مما تحدثنا عنه قبل قليل والذي ترسخ في ذهنها رسوخ الرواسي ولم يعد من الممكن مناقشته أو تحليل أسبابه ودوافعه وحقيقته .rnمختصر القصة يتحدث الفيلم عن ثلاثة شخصيات : ام وبنتيها ، تعيشان في الطبقة السفلية التي يعيش فيها الخدم فيما يشبه القبو في قصر قديم في منطقة نائية ووسط أحراش وحدائق مهملة ، تعيش النسوة الثلاثة حياة سرية في ذلك المكان خوفاً من ان يكتشف وجودهنّ احد وهنّ اللاتي اعتدن على العيش فيه مذ كان رب الأسرة يعمل خادما في ذلك القصر الذي توفي ودفن فيه ، ولهذا لم يجدن بديلاً يلجأن إليه ، يتسللن خفية عبر سياج القصر ويقصدن المدينة لبيع مشغولات يدوية وشراء بعض اللوازم ثم يعدن سريعا ، وفجأة يصل إلى القصر أحد أبناء الأسرة التي كانت تسكنه بصحبة صديقته وبوصولهم يقع تحول كبير في حياة الشخصيات اذ تتلصص النسوة الثلاث على الحبيبين وتتسلل عايشة (الممثلة حفصية حرزي) الى مخدعهما وتراقبهما وهما في الفراش يمارسان الجنس ، وتشاهدان أيضاً الحفلات الليلية التي ينظمها ذلك الشاب مع أصدقائه وصديقاته، ثم تقوم النسوة الثلاث باختطاف سالمة (الممثلة ريم البنا) واحتجازها دون ان يتمكن لا صديقها ولا باقي أصدقائها من العثور عليها ، وتصبح سالمة سبباً في الكشف عن المزيد من النسوة الثلاث ، عن محنتهنّ وأزماتهنّ وماضيهن وخاصة راضية (الممثلة سندس بلحسن) التي تكشف عن عن علاقة سابقة كانت لها مع رجل انتهت بإجهاض طفلها ثم تغير الموضوع ولا ترغب في الاستمرار لكن أكثرهنّ اندفاعا وسعيا للالتحام بعالم سالمة حيث الحرية والانطلاق والتمتع بالحياة والأزياء والعطور وأكثرهنّ خضوعاً لوطـأة سيطرة الأم هي عايشة التي لا تجد فرصة حتى للتخلص من الشعر الزائد وإزالته عن ساقيها إذ تلاحقها راضية التي تريد الانفراد بنفسها بين آونة وأخرى لغرض إفراغ رغبتها الجنسية بممارسة العادة السرية .تثور عايشة ثورتها الأخيرة بأن تقوم بخنق الأم فيما هي مستغرقة في النوم و قطع شرايين رقبة شقيقتها راضية لنشاهدها في المشاهد الأخيرة وهي تسير عارية الذراعين في شتاء تونس وفي وسط شارع الحبيب بورقيبة وثيابها ملطخة بالدم.rnفي بناء الشخصيات ودوافعها مما لاشك فيه إن الفيلم برمته هو فيلم أنثوي خالص ، مخرجته وكاتبة السيناريو هي أنثى وشخصياته الأربع الرئيسية هنّ إناث ولا يظهر الرجل في الفيلم إلا لدقائق معدودة إذا أحصيناها مجتمعة وكل وظيفته أنه ذكر : مشهد ممارسة الجنس بين علي وسالمة ، ومشهد آخر للشخص نفسه وقد جلب فتاة أخرى بعد اختفاء سالمة لنفس الغرض ...فيما عدا ذلك فنحن أمام حكاية نسائية مطلقة لا يتسلط فيها الرجل ـ بل ان الفراغ الكبير في الفيلم وفي حياة الشخصيات هو الفراغ الذي يجب ان يحتله الرجل ويمثل بشكل واضح علامة او رمزاً للجنس فالجنس يعني الرجل وبالعكس ، وهكذا حتى في المشهد الوحيد اليتيم الذي تختلط فيه عايشة بالمجتمع في داخل الباص وهي في طريقها مع أمها وأختها في الباص فإن الرجل سرعان ما يأتي ملتصقا بها من الخلف مستغلا اكتظاظ الناس وتمايل الباص ...فمن يقهر من في هذا الفيلم ؟ وماذا عن الشخصيات وماذا عن دوافعها ؟ تعيش الشخصيات في فقر شديد في حجرات معتمة وشبه خربة وكأنها زرائب للحيوانات منها الى البشر ، ويبدو ذلك أيضاً من خلال المظهر المزري للنسوة الثلاث وملابسهنّ
الكبت الجنسي والإيذاء الجسدي يحاصر نساءً ثلاثاً منسيات فـي أقبية القهر والعزلة
نشر في: 16 مارس, 2011: 04:52 م