TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > دولة فلسطين بين اعتراف بلا خريطة وسيادة مؤجلة: هل يملك العالم خطة أم مجرد نوايا؟

دولة فلسطين بين اعتراف بلا خريطة وسيادة مؤجلة: هل يملك العالم خطة أم مجرد نوايا؟

نشر في: 30 سبتمبر, 2025: 12:02 ص

محمد علي الحيدري

يُثار اليوم سؤال جوهري حول الكيفية التي يمكن من خلالها تحويل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين من مجرّد موقف رمزي أو فعل دبلوماسي إلى عملية ملموسة تؤسس لوجود سياسي وقانوني كامل الأركان. فالاعتراف، على أهميته في كسر عُزلة الفلسطينيين وإحراج منظومة الاحتلال، لا يصبح بحد ذاته ضمانة لولادة الدولة، بل هو خطوة أولى تحتاج إلى جملة من الآليات والإجراءات التي تعطيها المعنى العملي والبعد البنيوي.
إن تنفيذ الاعتراف الدولي يستوجب أولاً التوافق على ماهية الدولة الفلسطينية المنشودة: حدودها، نظامها السياسي، ضمانات سيادتها، وأسس علاقتها مع جيرانها والعالم. ذلك أن ما هو متاح اليوم من اعترافات متفرقة يشبه فسيفساء غير مكتملة؛ فسقف التوقعات والالتزامات يختلف من عاصمة إلى أخرى، ما يجعل الاعتراف في صورته الراهنة أقرب إلى خطاب سياسي أو تسجيل موقف أخلاقي، لا إلى مشروع دولي متماسك قابل للتطبيق. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل تمتلك الدول المعترفة، مجتمعة، رؤية أولية متفقاً عليها حول شكل ومضمون الدولة الفلسطينية، أم أن كل دولة تقرأ الاعتراف وفق مصالحها وحساباتها الخاصة؟
المتتبع للمشهد يدرك أن ثمة فجوة واضحة بين الخطاب والآلية؛ فالمجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة ومؤسساتها، لم يقدم بعد إطاراً تنفيذياً موحداً يُلزم إسرائيل بإنهاء الاحتلال ويضمن للفلسطينيين ممارسة سيادتهم الفعلية. الاعتراف، في غياب خطة ملزمة، يتحول إلى ورقة ضغط سياسية على الاحتلال لا أكثر. ولعل التحدي الأكبر يكمن في أن أي اعتراف غير متبوع برؤية مشتركة وآليات إنفاذ سيبقى عرضة للاستهلاك الإعلامي، ويُستعمل في لحظات معينة لتخفيف العبء الأخلاقي عن بعض الدول دون أن يغير الواقع القائم على الأرض.
من هنا، تصبح مسؤولية الدول المعترفة مضاعفة: فهي مطالبة بأن تنتقل من منطق الرمزية إلى منطق الفعل، ومن إعلان المواقف إلى صياغة سياسات متفق عليها، تضع تصوراً واضحاً للدولة الفلسطينية من حيث الحدود الشرعية، البنية الدستورية، وآليات الحماية الدولية. وحده هذا الانتقال يمكن أن يحوّل الاعتراف من فعل تضامني عابر إلى مسار استراتيجي يرسّخ حضور فلسطين كدولة كاملة العضوية في النظام الدولي، ويمنح الشعب الفلسطيني ما حُرم منه طويلاً: حقه الطبيعي في السيادة والحرية وتقرير المصير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram