TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العـــراق.. لاعب رئيسي جديد في تهريب المخدرات في الشرق الأوسط

العـــراق.. لاعب رئيسي جديد في تهريب المخدرات في الشرق الأوسط

نشر في: 30 سبتمبر, 2025: 12:03 ص

آديل بوسييه *

ترجمة : عدوية الهلالي

في تقريرها السنوي لعام 2024 حول قضايا المخدرات العالمية، دقّت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن الوضع في العراق، الذي يوشك أن يصبح ممرًا رئيسيًا لتهريب المخدرات في الشرق الأوسط. وفي تقريرها، أشارت الأمم المتحدة إلى أنه على الرغم من انخفاض مستويات الاستهلاك بشكل كبير مقارنةً بمعظم جيرانها ، شهد العراق أيضًا ارتفاعًا حادًا في تعاطي المخدرات على مدى السنوات الخمس الماضية، وخاصةً الكبتاجون والميثامفيتامين.ويُعدّ هذان المخدران الاصطناعيان الأكثر استهلاكًا في العراق، وقد شهدا زيادة مطردة ومتسارعة منذ عام 2019. ولكلا المادتين تركيبات وتأثيرات كيميائية متشابهة، بما في ذلك اضطراب نظم القلب.
ويُمثل استهلاك هذه الأنواع من المخدرات نقطة تحول في تاريخ المنطقة. فمنذ القرن الثاني عشر، انتشر القنب في جميع أنحاء العراق والشرق الأوسط الأوسع، وظلّ أكثر المخدرات استهلاكًا على نطاق واسع منذ ذلك الحين. وفي عام 2014، أوضح تقرير صادر عن مجموعة عمل الأوبئة المجتمعية العراقية أن الحشيش (مخدر مشتق من راتنج القنب) كان أكثر المخدرات شيوعًا في العراق. كما وصف التقرير نفسه ظهور مخدرات اصطناعية جديدة تكتسب شعبية متزايدة مثل: الكبتاجون، والميثامفيتامين الكريستالي، والترامادول. علاوة على ذلك، وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين، بدا العراق بمنأى نسبيًا عن انتشار تعاطي المخدرات على نطاق واسع مقارنةً بدول أخرى في المنطقة، والتي كانت تُوثّق أحيانًا اعتمادها على مواد معينة، كما هو الحال في مصر مع الحشيش أو إيران مع الأفيون.ففي عام 1993، على سبيل المثال، كانت كمية المخدرات المضبوطة في العراق هي الأقل في العالم العربي. ومع ذلك، لا يختلف التشريع العراقي اختلافًا جوهريًا عن تشريعات دول أخرى في المنطقة، التي تُجرّم حيازة وبيع المخدرات بنفس القدر من الصرامة. ففي الواقع، يُجرّم قانون المخدرات العراقي، المُعتمد عام 1965، المشاركة في الاتجار بالمخدرات أو الترويج لها جريمة جنائية يُعاقب عليها بالسجن المؤبد أو حتى بالإعدام. وتعكس هذه الشدة اتجاهًا إقليميًا، حيث تفرض معظم دول الشرق الأوسط عقوبات قاسية بشكل خاص على حيازة المخدرات والاتجار بها. حتى أن المملكة العربية السعودية وإيران تنصان على عقوبة الإعدام لمثل هذه الجرائم.
ومع ذلك، وعلى الرغم من بُعد العراق النسبي تاريخيًا عن الاتجار بالمخدرات واستهلاكها، فإن موقعه الجغرافي يضعه بين الدول التي تُنتج أو تستهلك مخدرات أكثر بكثير مما يُنتجه هو، حيث يقع العراق بين دول مصدرة للمخدرات كأفغانستان وسوريا ولبنان، ودول مستهلكة رئيسية كدول الخليج، مما جعله أحد أهم مراكز تجارة المخدرات في الشرق الأوسط. وبعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، ومع تزايد استهلاك المخدرات في العراق خلال السنوات الأخيرة، هل ستظل بغداد مجرد منطقة عبور في هذه التجارة الإقليمية، أم أنها قد تصبح أكثر من ذلك بكثير؟ هل يمكن أن يصبح العراق منتجًا لهذه المخدرات الاصطناعية الجديدة، التي تنتشر ليس فقط في الشرق الأوسط بل في جميع أنحاء العالم؟ أم أنه على وشك أن يصبح سوقًا متنامية لهذه المخدرات تتجاوز مكانته الحالية كمركز عبور؟
في الواقع، أدى موقع العراق على طرق التهريب الإقليمية إلى نشوء شبكات توزيع داخل أراضيه، إذ يستهلك العراق، وفقًا للأمم المتحدة، حوالي 10 % من المخدرات التي تمر عبر أراضيه. وكما ذُكر سابقًا، تقع بغداد على مفترق طرق بين أفغانستان وسوريا ودول الخليج. وقد بدأت أفغانستان، المُصدّرة تقليديًا للأفيون، والتي كانت تُشغّل زراعته جزءًا كبيرًا من مزارعي البلاد، في تصدير المخدرات الاصطناعية. في الواقع، بعد أن حظرت طالبان زراعة الأفيون، اضطر هؤلاء المزارعون إلى البحث عن مصادر دخل جديدة، فبدأوا في إنتاج الميثامفيتامين (على شكل كريستال ميث)، الذي ينقلونه إلى إيران. كما تستفيد إيران من تنظيم هذه التجارة، مما يوفر لها عائدات جديدة تُمكّنها من التحايل على العقوبات المالية التي تفرضها الولايات المتحدة. ولأسباب مماثلة، لجأ نظام بشار الأسد، الخاضع للعقوبات الدولية، إلى إنتاج وتصدير الكبتاجون. وفي حين يتزايد استهلاك هذه المنتجات الجديدة في جميع أنحاء المنطقة، إلا أنه الأعلى بكثير في دول الخليج، ولا سيما في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وهكذا، وجد العراق نفسه في قلب طرق جديدة لنقل المخدرات من سوريا ولبنان وأفغانستان إلى دول الخليج. وقد أدى مرور مختلف أنواع المخدرات عبر الأراضي العراقية إلى نشوء شبكات توزيع داخل البلاد.
على سبيل المثال، يُعد ميناء البصرة متورطًا بشكل خاص في تهريب المخدرات، كونه الميناء الدولي الرئيسي للعراق، ويقع على مقربة شديدة من الحدود الإيرانية، حيث تصل عبره شحنات الكريستال ميث من أفغانستان. وبينما لا يمثل هذا الميناء سوى مرحلة واحدة من مراحل تهريب الميثامفيتامين، تشهد المدينة نفسها عددًا متزايدًا من متعاطي المخدرات (تقدر السلطات عددهم بـ 30 ألف متعاطٍ). وبالتالي، فقد أدى مرور هذه التجارة عبر العراق إلى إرساء أنماط استهلاك وشبكات توزيع للمخدرات في مناطقها.
وبالإضافة إلى وجود المخدرات في العراق المُصدّرة والمستوردة من دول أخرى، يُمكن بسهولة ظهور منتجين عراقيين جدد للمخدرات الصناعية. في الواقع، أدى الانتقال من المخدرات التقليدية ذات الجذور الثقافية إلى المخدرات الاصطناعية إلى تسهيل إنتاج المخدرات بشكل متزايد، مما ساهم في تطوير وتنويع منتجيها. فعلى سبيل المثال، عملية إنتاج الكبتاجون بسيطة نسبيًا: لا يتطلب الأمر سوى مسحوق الأمفيتامين وآلة لصنع الحبوب. ويسهل الحصول على هذه الآلة نسبيًا، إذ تُباع بحرية للأغراض الصيدلانية. وبالتالي، يمكن لأي شخص يمتلك هذه الآلة إنتاج الكبتاجون في منزله إلى أجل غير مسمى. علاوة على ذلك، سمح هذا التحول إلى المخدرات الاصطناعية بفصل إنتاج المخدرات عن دورات المواسم والمزارعين وعملية المعالجة النباتية بأكملها. كما أدى إلى انخفاض أسعار المخدرات بشكل متزايد وزيادة إدمانها. وبينما لا تزال غالبية المختبرات موجودة في سوريا، لا شيء يمنع ظهور منتجين جدد للكبتاجون (ومنتجي المخدرات الاصطناعية الأخرى) في دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك العراق.وبعد سقوط نظام بشار الأسد، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان النظام الجديد سيدعم إنتاج الكبتاجون بنفس القدر الذي دعمه سلفه.
ووفقًا لشهادة مُتاجر أردني سابق، "يُصبح الناس تجارًا بسبب نقص فرص العمل". ووفقًا لأرقام منظمة العمل الدولية، وصل معدل البطالة في العراق إلى أكثر من 16 % في عام 2021، ويُعدّ معدل مشاركة القوى العاملة بين العراقيين في سن العمل من بين أدنى المعدلات في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط (39.5 % مقارنة بـ 52 % في جميع أنحاء المنطقة). ونتيجةً لنقص الفرص، قد يلجأ العراقيون إلى الاتجار بالمخدرات، ثم إلى إنتاجها، الذي أصبح أكثر سهولةً ويمكن أن يُحقق أرباحًا أعلى.
وتشير بعض الدراسات إلى أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 كان نقطة تحول في تعاطي المخدرات بين العراقيين.فقد أظهرت دراسات مختلفة أن فترات النزاع المسلح تؤدي عمومًا إلى زيادة تعاطي المخدرات بين السكان المتضررين. وتفسر آليات مختلفة ذلك. على سبيل المثال، من المرجح بشكل خاص أن يُصاب المقاتلون والمقاتلون السابقون بإدمان المخدرات، إذ يستخدمون هذه المواد لإدارة اضطراب ما بعد الصدمة عند عودتهم من الحرب. وتشمل الفئات الأخرى الأكثر تضررًا النازحين، وبشكل أعم، أولئك الذين لم يعد بإمكانهم الحصول على علاجاتهم الطبية ويلجأون إلى بعض الأدوية كبدائل..وهنالك عوامل أخرى أسهمت في نشر المخدرات، فوفقًا للسلطات، حُوِّلت جهود مكافحة الاتجار بالمخدرات إلى عمليات مكافحة الإرهاب، مما أتاح للمتاجرين حرية أكبر في التوسع. ربما انتشر استهلاك الكبتاغون داخل البلاد من خلال مقاتلي داعش أنفسهم. بل إن هذا المخدر لُقّب بـ"مخدر داعش" لأن الجهاديين استخدموه ليشعروا باليقظة والقوة أثناء القتال.أخيرًا، على الرغم من نقص البيانات طويلة المدى حول استهلاك المخدرات في العراق، فمن السهل الجزم بأن الحروب المتتالية - وخاصة الغزو الأمريكي عام 2003 والحرب ضد داعش بين عامي 2014 و2017 - كان لها تأثير على الصحة النفسية للعراقيين.
على الرغم من ذلك، فإن الوضع السياسي الخاص بالعراق ليس السبب الوحيد لارتفاع استهلاك المخدرات على أراضيه. فقد أصبحت المخدرات الاصطناعية متاحة بسهولة لجميع طبقات المجتمع، وهو أمر واضح بنفس القدر في دول أخرى في المنطقة (ولا سيما دول الخليج). صحيح أن هذه المخدرات زهيدة الثمن، لكنها لا تقتصر على أكثر شرائح السكان حرمانًا. فعلى سبيل المثال، تأتي أقراص الكبتاجون بأنواع مختلفة، وتأثيرات متفاوتة، وبأسعار متفاوتة، وبالتالي تصل إلى شرائح سكانية متنوعة للغاية. ولأسباب تتعلق بالإنتاجية، (الكبتاجون مثبط للشهية أيضًا)، وتُباع أحيانًا في صالونات تصفيف الشعر النسائية. وأخيرًا، وكما أوضحنا سابقًا، تُستخدم أيضًا في سياق الحرب: من قبل الجنود لتجربة الشعور بالقوة العظمى، ومن قبل المدنيين للهروب من واقع يومي قاسٍ. وهكذا، لا يقتصر استهلاك الكبتاغون على أفقر شرائح المجتمع أو أكثرها تهميشًا؛ بل امتد أيضًا إلى الطبقة الوسطى والطبقات الأكثر ثراءً، مما يُفسر تفشي الاتجار.
ومع ذلك، وفي مواجهة هذه التطورات في تجارة المخدرات، غالبًا ما تلجأ دول الشرق الأوسط إلى القمع، الذي لم يُسفر قط عن أي نتائج ملموسة. بل تُظهر التجارب التاريخية أنه كلما اشتد القمع فيما يتعلق ببيع واستهلاك المخدرات، زاد لجوء المستخدمين إلى مواد أكثر فعالية.
لقد سبق للأمم المتحدة أن دقّت ناقوس الخطر ودعت إلى بذل جهود لمكافحة الاتجار بالمخدرات على الصعيدين الوطني والإقليمي والدولي. ومع ذلك، لا تزال جهود الدولة العراقية محدودة. ولم تظهر سوى مبادرات قليلة: فقد أُنشئ أول قانون وهيئة لمكافحة المخدرات عام 2017، وأُطلقت "الاستراتيجية الوطنية للمخدرات والمؤثرات العقلية" عام 2023، إلى جانب تنظيم أول فعالية إقليمية حول هذا الموضوع في العام نفسه، بهدف تشجيع التعاون والتنسيق بين دول الشرق الأوسط لمكافحة الاتجار بالمخدرات. ومع ذلك، يبدو من المشروع التساؤل عما إذا كانت هناك إرادة حقيقية من جانب الدولة العراقية لمكافحة هذا الاتجار، على الرغم من انتشار هذه المشكلة في السنوات الأخيرة، لا تزال سياسات مكافحة هذا الاتجار خجولة للغاية.
• معاون مدير معهد العالم العربي في باريس

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram