TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البطريركيةُ السياسيّةُ العراقيّةُ

البطريركيةُ السياسيّةُ العراقيّةُ

نشر في: 1 أكتوبر, 2025: 12:23 م

د. عماد عبد اللطيف سالم

كُلُّ العراقيّينَ «آباء». ..كُلّهم "بَطارِكَة «. .. وكلّهم يريد أن يفرض "قواعدهُ" على أبنائه "الصِغار».
اقرأ كذا.. أكتب كذا.. لا تقل هذا.. لا تفعل هذا.. عش هكذا.. مُت هكذا .
حتّى العلاقةُ بالآلهة والأرباب والكواكب والمجرّات.. يحدّدُها "بطريركٌ" أحمق، يرفضُ أن يغادر دورهُ.. ولو بعد ألفي عام.
عراقٌ "بطريركيّ" بامتياز.. متغطرسٌ، دَعِيٌّ، ومُتَعالٍ، رغمَّ أنَّ "البطاركةَ المؤسّسون" قد دأبوا على الحاق هزائمهم الشنيعة بهِ منذُ قرون.
لا يوجد "بطريركٌ – ديك"، على امتداد هذا السهل الرسوبي العظيم، يَقبَلُ أن تبتعدَ فراخهُ عن البَيضَة، وتنظرَ إلى السماء، وتستكشفَ الحقلَ المجاور.
عراقٌ يجُرُّ فيه بطريركُ في الثلاثين، ابناً عاقّاً له في الستّين.. ويمرّغ أنفهُ بتُرابٍ لا كرامةَ فيه لأحَد.
العراقُ هو البلد الوحيد الذي تُنجِبُ فيه النساءُ "بطاركةً" جاهزينَ للفتكِ بكَ فور ولادتهم.. وبينما لايزال حبل المشيمة مُعلّقاً بسُرَّتِهِم، فأنهم ينظرون اليكَ بازدراء، وكأنّكَ مجرد لقيطٍ في مملكتهم العاهرة.
والبطريركيةُ العراقيّة.. تُضفي العصمة والألوهية والقَداسَة على كيانات من الوهم والقِش، وتقتلُ أحلامكَ، وترعى فيك الندم المُبكّر على كلِّ خطوةٍ، وكُلِّ كَلمَة وكُلِّ صَبوَةٍ، وكل كَبوَة.
البطريركيةُ السياسيّةُ العراقيّةُ.. لا تجعلكَ تسعى لشيءٍ غير رضا "الأبِ" عنك، ليعيشَ هو، وتموتُ أنت.. وأفضلُ "أداةٍ" تستخدمها البطريركيّةُ السياسيّةُ العراقيّةُ لتحقيق ذلك.. هي "الديموقراطية" بنسختها الانتخابيّة.
حتّى في "الانتخابات" عليكَ أن تنتَخِب "بطريركاً"، أو "تلتَحِق" ببطريرك، وتظهرَ إلى جانبهِ ضاحِكاً على نفسك، في "لافتةٍ" واحدة.
المُفارقة هي في وقوف "مُرَشّحٍ" شيخ، إلى جانبِ "بطريركٍ" ما زالَ "صبيّاً"، ولكنّهُ يرأسُ "القائمة"، وكلاهما يبتَسِم، في لافتةٍ انتخابيّةٍ واحدة.
لا يوجَد "مُرشّحون" شباب (بقيَم وقواعد سلوك وأنماط تصرُّف وادارة شبابيّة) في الانتخابات العراقيّة.
ما يوجد هو "أبناء صغار" لـ "بطاركة" كبار، سيُعيدونَ انتاجَ و"تفريخَ" القيم والسلوكيات وأنماط الحُكمِ والادارةِ "البطريركيّةِ" ذاتها.. وسيعملون بـ "إخلاصٍ" قلَّ نظيره على "ترميم" ما تداعى منها، أو علاهُ الصَدأ، وسيعملونَ ،ببسالةٍ وإصرارٍ وحماسة، على "تنظيف" تلكَ الوجوهِ الكالحةِ المُلطّخة بالسَخامِ والسَبَخ، لتكونَ "جديرةً" بالتسَلُطِّ على هذا العراق، لأطولِ مُدّةٍ مُمكنة.
هذا ما يحدث عندما لا يكونُ "البطاركة" في المقبرةِ أو في الكنيسة.
هذا ما يحدث عندما ينزلُ "البطاركةُ" إلى "الشارِع».
هذا ما يحدثُ عندما يهرَعُ الناسُ "العابِرونَ" على الأرصفةِ، و"البدوُ الرُحَّلُ" المُقيمونَ في مضاربِ المدينةِ، و"السُكّانُ الأصليّونَ" القابِعونَ في بيوتها الساكِتة..
من أجلِ "تجديدِ البَيعَةِ" لـ "قُدامى البطارِكة".. مَرَّةً تِلوَ أخرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram