ترجمة / المدى
تهزّ المظاهرات المؤيدة لفلسطين المدن الأوروبية الكبرى، فيما تتزايد الدعوات لحظر مشاركة إسرائيل في الفعاليات الرياضية والثقافية. وقد نشرت البحرية الأوروبية سفناً لحماية النشطاء الذين يحاولون إدخال المساعدات إلى غزة، كما أقدمت موجة من الدول الأوروبية على خطوة كانت تُعَدّ في السابق غير قابلة للتصوّر، وهي الاعتراف بدولة فلسطينية.
ومع تفاقم الغضب من الكارثة الإنسانية، خرج المزيد من القادة الأوروبيين، أحياناً تحت ضغط شعوبهم، ليدينوا علناً سلوك إسرائيل في الحرب، ويسعوا لدفع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى قبول وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات.
وقالت سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز “تشاتام هاوس” البحثي: “لقد حدث تحوّل غير مسبوق في أوروبا، فخلال العام الماضي بدأ الرأي العام يمارس ضغطاً على الحكومات، الأمر الذي ساعد على كسر المحرَّمات في المستويات العليا بشأن انتقاد إسرائيل.”
حتى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني – التي تُعَدّ من أقرب حلفاء إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي – أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستدعم فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل. وكان ذلك الموقف الأكثر صرامة لها حتى الآن، وجاء بعد إضراب عام في إيطاليا واحتجاجات مؤيدة لفلسطين امتدت من باليرمو إلى ميلانو.
وقالت ميلوني في خطابها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: “انتهى الأمر بإسرائيل إلى انتهاك القواعد الإنسانية، والتسبّب في مجزرة بين المدنيين.”
منذ السابع من أكتوبر 2023، حين شنّ مسلحو “حماس” هجمات جوية وبرية على إسرائيل، أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص وأسر أكثر من 250، شنّت إسرائيل حملة عسكرية على غزة أسفرت – بحسب وزارة الصحة في غزة – عن مقتل أكثر من 66 ألف شخص. وتقول الوزارة إن النساء والأطفال يشكّلون نحو نصف الضحايا، من دون التفريق بين مدنيين ومقاتلين.
الحرب دمّرت كذلك مساحات شاسعة من غزة، وأدّت إلى مقتل 289 صحفياً وفق لجنة حماية الصحفيين، وتشريد نحو 90% من سكان القطاع، وتسببت في أزمة إنسانية كارثية شملت اندلاع مجاعة في مدينة غزة. ووفق بيانات مشروع مواقع وأحداث النزاعات المسلحة (ACLED) الذي يرصد الصراعات حول العالم، فإن الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين قد ازدادت. فمنذ كانون الأول إلى نيسان سُجِّل 780 مظاهرة مؤيدة لفلسطين في أوروبا. وخلال الأشهر الخمسة الماضية فقط بلغ العدد 2066 مظاهرة، أي بمعدل 15 مظاهرة يومياً.
هذه الاحتجاجات شملت طيفاً واسعاً من الأحزاب والمجتمعات، خصوصاً المجتمعات المسلمة الكبيرة في فرنسا وألمانيا، التي تمثل كتلة انتخابية مهمة.
حتى نتنياهو نفسه أقرّ بهذا التغيّر عندما قال أمام الأمم المتحدة: “صحيح أنه في الأيام الأولى بعد السابع من أكتوبر، وقف الكثيرون إلى جانب إسرائيل. لكن هذا الدعم تبخّر بسرعة عندما قامت إسرائيل بما ستفعله أي دولة بعد هجوم وحشي كهذا.”
تعود علاقة إسرائيل بأوروبا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. فمعظم اليهود الإسرائيليين ينحدرون إما من الشرق الأوسط الأوسع أو من الجاليات اليهودية الأوروبية.
وقال شارون باردو، أستاذ في جامعة بن غوريون ومؤلف كتاب عن العلاقات الأوروبية – الإسرائيلية: “إسرائيل هي من أوروبا، ومن لا يدرك هذه الحقيقة لا يفهم طبيعة هذا البلد.”
وأضاف أن أول رئيس وزراء لإسرائيل، ديفيد بن غوريون، بدأ مبكراً بناء علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية متينة مع أوروبا، التي أصبحت لاحقاً أكبر شريك تجاري لإسرائيل.
لكن تحالف نتنياهو مع الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا أضرّ بالعلاقات مع المؤسسة السياسية الأوروبية. يقول باردو: “إسرائيل نتنياهو دولة مناهضة للاتحاد الأوروبي، مشككة فيه، وتبذل قصارى جهدها للإضرار بمشروع التكامل الأوروبي.”
في البداية، أثارت هجمات السابع من أكتوبر تعاطفاً واسعاً في أوروبا. فقد زارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إحدى البلدات الإسرائيلية المدمّرة بعد أيام من الهجوم، وتعهدت بدعم إسرائيل.
لكن بعد نحو عامين، تغيّر خطابها تماماً. إذ دعت إلى زيادة الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، واقترحت زيادة الرسوم الجمركية على بعض السلع الإسرائيلية، مع فرض عقوبات على بعض المستوطنين ووزيرين في حكومة نتنياهو. وقالت فون دير لاين: “لقد حدث تحوّل منهجي في الأشهر الأخيرة من الصراع، وهو أمر ببساطة غير مقبول. على أوروبا أن تفعل المزيد.”
ويرى محللون أن الاحتجاجات الشعبية وضغط موظفي الاتحاد الأوروبي أنفسهم أثّرا في مواقفها، حيث وقّع أكثر من 2000 موظف حالي في الاتحاد الأوروبي و390 سفيراً ومسؤولاً سابقاً على رسائل مفتوحة تنتقد سياسة الاتحاد في غزة.
ومع أن تبنّي العقوبات الكبرى يتطلب إجماع الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي، إلا أن بعض الإجراءات يمكن تمريرها عبر نظام التصويت الموزون حسب عدد السكان، وهو ما يجعل مواقف إيطاليا أو ألمانيا حاسمة.
ألمانيا ما زالت ثاني أقوى داعم لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، لكن الائتلاف الحاكم فيها منقسم. فالمستشار فريدريش ميرتس وحزبه الديمقراطي المسيحي يدعمون إسرائيل، بينما الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأصغر أكثر انتقاداً للحرب.
ميرتس أوقف بعض مبيعات الأسلحة لإسرائيل وأبدى قلقه إزاء نتنياهو، لكنه أكد أنه لا يدرس فرض عقوبات. ومع ذلك، خرج عشرات الآلاف في برلين السبت الماضي مطالبين بوقف الحرب.
أما إيطاليا، فقد تقترب من الانضمام إلى فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وإسبانيا ودول أوروبية أخرى اعترفت مؤخراً بدولة فلسطين.
وقالت الباحثة إليزابيتا بريغي من جامعة وستمنستر إن إيطاليا قد تنحاز لموقف أوروبي ضاغط على إسرائيل بسبب تأثير النقابات العمالية القوية والفاتيكان، مضيفة: “إيطاليا لم تترجم صدمة الفاشية بالطريقة نفسها التي فعلتها ألمانيا.” إيطاليا أرسلت، مع إسبانيا، سفناً لحماية أسطول من القوارب التي تحمل نشطاء يسعون لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة، بعد أن قال النشطاء إنهم تعرضوا لهجوم بطائرات مسيّرة قرب اليونان.
كما ارتفعت الدعوات إلى منع إسرائيل من المشاركة في بعض الفعاليات الرياضية والثقافية. فقد قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز – بعد أن قاطع محتجون سباق “فويلتا” الإسباني – إن إسرائيل يجب أن تُستبعَد “إلى أن تنتهي الأعمال الوحشية التي تُرتكب في غزة”. حتى إن بعض الدول هددت بمقاطعة مهرجان مسابقة الأغنية الأوروبية، الذي يحظى بشعبية في إسرائيل وأوروبا، إذا ما شاركت إسرائيل فيه.
عن AP










