ذي قار / حسين العامل
بالتزامن مع الذكرى السادسة لانطلاق تظاهرات تشرين أكّد ناشطون وأكاديميون تمسّكهم بمبادئ ومتبنيات الحركة الاحتجاجية التي انطلقت مطلع تشرين الأول 2019 وواجهت قمعًا غير مسبوق من أطراف متعددة، مشيرين إلى أنها واحدة من أكثر الحركات الاحتجاجية والاجتماعية أهمية في التاريخ السياسي الحديث.
وقال الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور عبد الرزاق علي لـ«المدى» إن «احتجاجات تشرين تمثّلت ولا تزال كواحدة من أكثر الحركات الاحتجاجية والاجتماعية أهمية في تاريخ العراق السياسي الحديث»، مبيّنًا أنها تشكّل محطة رئيسية من هذا التاريخ عبر تحوّلها إلى النسق السياسي الحداثوي (الأحزاب – قوى المجتمع المدني – الجمعيات والمنظمات السياسية والمدنية والثقافية)». واسترسل: «تبقى تشرين درسًا وطنيًا بليغًا، ومسارًا نضاليًا نادرًا، عبّرت عنه منظومة فكرية ومعرفية وأخلاقية رفيعة، أعادت الثقة للمجتمع العراقي بقدراته الثورية»، مشيرًا إلى أن «تشرين قدّمت عشرات النماذج الشجاعة التي واجهت – ولا تزال – قوى الفساد والميليشيات والانتهازيين الذين استغلوا التضحيات». وتابع علي: «فبعد مرور ست سنوات، يمكن النظر إلى حركة تشرين كحركة اجتماعية وطنية شكّلت ملامح رفض ثوري للمظالم التي فرضتها الطبقة السياسية، وقدّمت مشروعًا سياسيًا وفكريًا بديلًا، لم يكتمل لأسباب موضوعية وذاتية». من جانبه، وفي معرض تقييمه لما نادت به تشرين وما تحقق في هذا المجال، قال الأكاديمي والناشط في حراك تشرين الدكتور فارس حرّام إن «تشرين بوصفها صراعًا قيميًا ضد قوى التسلط والظلام والتخلّف والفساد لا تزال نابضة بالحياة ولا يزال هناك شباب يحملون لواءها ويدافعون عن قيمها وهم يستحقون كل التقدير». وأوضح في حديث لـ«المدى» أن «السنوات القليلة الأخيرة أثبتت لنا دون شك أن قرار المشاركة بالانتخابات الذي تبنّاه بعض التشرينيين عام 2021 كان خطأً فادحًا، كونها شاركت في ظروف وضمن سياقات وآليات انتخابية سبق لها أن دعت لتغييرها ومن دون التمسك بتطبيق قانون الأحزاب»، مبيّنًا أن «تطبيق قانون الأحزاب بصورة حقيقية كان من شأنه أن يحول دون مشاركة الأحزاب المسلحة في الانتخابات».
وتحدّث حرّام عن مثالب الدخول في لعبة السلطة والانتماء إلى آلياتها ومن ثم فقدان بوصلة التغيير الكبرى التي دعت إليها الحركة الاحتجاجية، مبيّنًا أن «ذلك نجم عنه انشقاق كبير بين التشرينيين المقاطعين والمشاركين في تلك الانتخابات».
وأشار حرّام إلى أن «تشرين كان ينبغي أن تصر على تنفيذ الخارطة التي تبنّتها ولا سيما تغيير مفوضية الانتخابات وفق معايير المهنية والكفاءة والنزاهة وتطبيق قانون الأحزاب تطبيقًا حرفيًا».
ويرى حرّام أن «أي عملية انتخابية وأي تغيير سياسي حقيقي لا يبدأ من تطبيق قانون الأحزاب فهو عبث في عبث»، وأضاف أن «الضرر الذي وقع على تشرين لا يتمثّل بجائحة كورونا فحسب، ولا بعملية التفتيت المنظمة التي قامت بها قوى السلطة، ولا بالثورة المضادة التي جرت ضد تشرين بعد شهور من انطلاقها»، واستطرد: «وإنما كان هذا الانقسام الحاد بين المشاركة في لعبة السلطة أو التبرؤ من هذه اللعبة والعمل على استمرار النضال لتطبيق كامل خارطة التغيير المنشودة التي دعت إليها تشرين في أكثر من ميدان وفي أكثر من مناسبة». بدورها وصفت الناشطة في مجال الحركة الاحتجاجية والدفاع عن حقوق المرأة إيمان الأمين تظاهرات تشرين بالثورة المستمرة، وأوضحت لـ«المدى» أن «تشرين لا تفارق الميادين ومبادئها باتت راسخة في عقول الشباب الذين خاضوا غمارها وتحدياتها المرعبة»، وأردفت أن «من يقولون إن تشرين انتهت فهم مخطئون، فهي باقية ببقاء المتمسكين بمبادئها والمحبين لوطنهم والداعين إلى التغيير المنشود في بلد يكون سيدًا لقراره وخاليًا من المحاصصة والتبعية والفساد». وتجد الأمين أن «لتشرين رموزًا وطنية في كل محافظة شاركت بالحركة الاحتجاجية، وأن جذور هذه الحركة ترسّخت أكثر عبر ما قدّمته من تضحيات وشهداء في سبيل الوطن»، وأردفت أن «أبناء تشرين حققوا ولا يزالون يحققون انتصارات دون خيانة للوطن ودون طلب للولاءات الخارجية، وهم يواجهون من جراء ذلك أشد أنواع القمع والقسوة».
بدوره عبّر الناشط في تظاهرات تشرين أحمد الهلالي عن اعتزازه بالمشاركة في تظاهرات تشرين رغم ما عاناه هو وأسرته من قمع وترهيب، وأوضح لـ«المدى» قائلًا: «أنا كمواطن عراقي ومحتج مشارك في ثورة تشرين العظيمة أعتز وأفتخر بالوقوف بوجه ظلم السلطة وأحزاب الفساد التي فرّطت بسيادة البلاد وكشفت عن تبعيتها المطلقة للخارج».
واستذكر الهلالي تضحيات ومواقف أبناء تشرين، قائلًا: «وبهذه المناسبة أستذكر الشهداء والمغيبين والمطاردين من قبل الأحزاب والميليشيات والسجناء المظلومين، ومن بينهم أخي إحسان أبو كوثر المعتقل حاليًا بتهمة كيدية».
ووجّه الهلالي، الذي لا يزال ملاحقًا أمنيًا بسبب نشاطه الاحتجاجي، رسالة موجزة إلى الشعب العراقي جاء فيها: «كفاكم السكوت على العملاء وسرّاق البلد، فالبلد بلدكم وأنتم أهل لإدارته وبنائه وإصلاح شأنه»، وخلص إلى القول إن «مستقبل العملاء سيكون خارج الحدود، وإن الوطن لأبنائه الأحرار».
ومن جانبه يرى الناشط في الحراك التشريني هشام السومري أنه «رغم مرور ستة أعوام على انطلاق تظاهرات تشرين، لا تزال التهم الكيدية والملاحقات الأمنية ومداهمة منازل المشاركين في تظاهرات تشرين قائمة ومتواصلة»، مبيّنًا أن «العديد من المتظاهرين الذين انتفضوا ضد نظام المحاصصة يقيمون الآن خارج مدنهم بسبب تلك الملاحقات».
وتطرّق السومري إلى اعتماد الطبقة السياسية المتنفذة سياسات مناقضة لإرادة الشعب وما دعا له في تظاهرات تشرين وغيرها من الفعاليات الاحتجاجية، مشيرًا إلى تمادي قوى السلطة في تكريس نهج المحاصصة وتقاسم مغانم السلطة والإيغال في الفساد وحماية الفاسدين والمتسببين بهدر المال العام.
واندلعت التظاهرات العراقية في مرحلتها الأولى في الأول من تشرين الأول 2019، في عشر محافظات وسطى وجنوبية، وجرى تعليق التظاهرات نحو عشرين يومًا للمشاركة بزيارة أربعينية الإمام الحسين (ع) لتعاود بعدها الانطلاق في 25 تشرين الأول من العام نفسه، وأعرب المتظاهرون في حينها عن الاحتجاج على تردّي واقع الخدمات وتفاقم معدلات الفقر والبطالة، وإهانة الكفاءات العلمية، وتمادي الطبقة السياسية في انتهاج سياسة المحاصصة الحزبية والطائفية وهدر المال العام وحماية الفاسدين، ناهيك عن الولاءات الإقليمية التي جعلت من العراق حديقة خلفية لدول الجوار. وشهدت تظاهرات تشرين عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعد دخول جماعات مسلّحة، وُصفت بـ«الطرف الثالث»، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدّت أعمال العنف والقمع إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 30 ألفًا، وأكثر من 3 آلاف معتقل ومختطف ومغيب، في وقت لم تُحاسب فيه أية جهة متورطة بهذه الأعمال.
فيما قدّر رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي إجمالي ضحايا تظاهرات تشرين بأكثر من 600 شهيد من المتظاهرين، وأكثر من 3500 إصابة تؤدي إلى الإعاقة، وأكثر من 24 ألف إصابة بسيطة، وذلك في لقاء صحفي منشور في صحيفة «الشرق الأوسط» بتاريخ 11 آذار 2023.










