بغداد / محمد العبيدي
حالة من الجدل تعيشها الأوساط التعليمية منذ انطلاق العام الدراسي الجديد، إثر قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فرضَ رسومٍ مالية على الطلبة مقابل استخدام منصة التعليم الإلكتروني المعروفة باسم (HEPIQ)، التي أصبحت بوابةً إلزامية لإنجاز مختلف المعاملات الجامعية، من تسجيل المواد إلى الاطلاع على الدرجات وتقديم الطلبات الإدارية.
وتقول الوزارة إن المشروع يمثل خطوةً أساسية في مسار التحول الرقمي وترسيخ الحوكمة الذكية داخل الجامعات، بينما يرى طلبةٌ وأكاديميون أن القرار يمس مبدأ مجانية التعليم الذي نص عليه الدستور، ويحمّل الطلبة أعباءً إضافية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وتشير بيانات الوزارة إلى أن الرسوم تبلغ نحو (66 ألف دينار) سنوياً، وتشمل جميع المراحل الدراسية في الجامعات الحكومية والأهلية والمعاهد، وحتى الخريجين الراغبين بالحصول على صحة صدور لوثائقهم. وتؤكد أن «المنصة تضم أكثر من (120) نظاماً إلكترونياً متطوراً يربط بين الطالب والأستاذ والإدارة، ويسهّل إصدار الوثائق ومتابعة الحضور والغياب إلكترونياً، وهو ما يختصر الوقت ويقلّل حالات الفساد الإداري».
لكن ردود الفعل الطلابية جاءت غاضبة، إذ شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملاتِ احتجاجٍ واسعة رفعت شعار «مجانية التعليم خط أحمر»، ودعت إلى إلغاء القرار أو تعديله، معتبرةً أنه يمثل تمهيداً لخصخصة التعليم العالي بطريقة غير مباشرة.
مخالفة دستورية
بدوره، أكّد الخبير الاقتصادي والأكاديمي ناصر الكناني أن «فرضَ وزارة التعليم العالي رسوماً على الطلبة مقابل استخدام منصة (HEPIQ) يُعَدّ إجراءً مخالفاً للدستور العراقي، الذي نص بشكل واضح على أن التعليم في جميع مراحله مجاني».
وقال الكناني لـ«المدى» إن «أي استيفاءٍ مالي من الطلبة، حتى لو كان بسيطاً، يجب أن يصدر بقرارٍ رسمي لا يتعارض مع الدستور، حيث إن فرض الرسوم الحالية لم يصدر حتى من مجلس النواب، وبالتالي فإن الوزارة تجاوزت صلاحياتها بهذا الإجراء».
وبيّن أن «هذه الخطوة تمثل عبئاً إضافياً على الطلبة، ولا يمكن تبريرها تحت عنوان تطوير الخدمات التعليمية»، مشيراً إلى أن «المشكلة لا تتعلق بقلة السيولة في الدولة، بل بسوء إدارة الأموال العامة، خصوصاً بعد صرف مبالغ كبيرة على الانتخابات والبرامج الحكومية دون مردود حقيقي».
رد وزارة التعليم
ورغم الجدل الدائر، تؤكد وزارة التعليم العالي أن الرسوم المفروضة تدخل ضمن ما تسميه «الخدمات الثانوية»، ولا علاقة لها بمبدأ مجانية التعليم.
وذكرت في بيانٍ لها أن «المشروع يأتي ضمن خطة التحول الرقمي التي تهدف إلى توحيد الأنظمة الإدارية والأكاديمية داخل الجامعات»، مضيفةً أن «الخطوة ستقلل الاعتماد على المعاملات الورقية وتمنح الطالب إمكانية إدارة ملفه الأكاديمي رقمياً وبشكلٍ آمن».
من جانبها، أكدت الحقوقية أنوار الخفاجي أن «بإمكان مؤسسات التعليم العالي في العراق معالجة الجدل الدائر حول منصة (HEPIQ) من خلال تبنّي حوارٍ شفافٍ ومسؤول يوازن بين متطلبات التحول الرقمي ومبدأ مجانية التعليم الذي يكفله الدستور العراقي».
وقالت الخفاجي لـ«المدى» إن «على وزارة التعليم العالي أن تعتمد آلياتِ دعمٍ مالي واضحة، مثل تغطية الرسوم من ميزانية الدولة أو عقد شراكاتٍ مع القطاع الخاص من دون تحميل الطلبة أي أعباءٍ إضافية، مع إمكانية تطبيق نظام إعفاءٍ أو تخفيضٍ للطلبة ذوي الدخل المحدود».
وأضافت أن «فرض الرسوم الحالية قد يعكس ضعف التمويل الحكومي للجامعات، لكنه لا يعني بالضرورة التوجه نحو خصخصة التعليم»، مشيرةً إلى أن «الخطوة يمكن أن تكون إجراءً مؤقتاً لتطوير البنى التحتية الرقمية في حال أُديرت بعدالةٍ وشفافيةٍ تضمن حماية حقوق الطلبة وتحقيق أهداف التحديث التكنولوجي في التعليم العالي».










