TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أزمة القيادة الشيعية في العراق: حين يصبح التماسك شكلياً والفساد بنيوياً

أزمة القيادة الشيعية في العراق: حين يصبح التماسك شكلياً والفساد بنيوياً

نشر في: 6 أكتوبر, 2025: 12:02 ص

محمد علي الحيدري

المشهد الشيعي في العراق يمرّ بأزمة قيادة لا يمكن اختزالها في الخلافات بين تياراته، بل تتجاوزها إلى سؤال أعمق يتعلق بالقدرة على إنتاج مشروع وطني جامع. فالتيار الصدري بانسحابه من العملية الانتخابية، والإطار التنسيقي بتماسكه القائم على المصالح التي وفرتها الحكومة الحالية لا على رؤية استراتيجية متماسكة، يعكسان في العمق هشاشة البنية السياسية الشيعية. هذا التماسك الظاهري يخفي تناقضات عميقة بين أطراف الإطار، سرعان ما تطفو عند أول اختبار يرتبط بتوزيع النفوذ أو بإدارة الموارد.
في ظل هذا المشهد، بدا واضحاً أن المرجعية الدينية العليا، التي التزمت منذ سنوات سياسة النأي بنفسها عن تفاصيل العمل السياسي، لم تفعل ذلك بدافع الفصل المجرّد بين الدين والسياسة فحسب، بل أيضاً نتيجة شعور بالإحباط من الأداء السياسي والإداري للقيادات الشيعية الحاكمة. فقد تحولت نصائحها المتكررة بشأن الإصلاح ومكافحة الفساد إلى صرخة في وادٍ، ما دفعها في المحطات الانتخابية الماضية إلى دعوة الناخبين بلهجة أكثر صراحة إلى التمحيص والتثبت في اختيار ممثليهم، والتنبيه من إعادة منح الفرص لمن ثبت فشله بالتجربة. وهذه إشارة غير مباشرة إلى أن المرجعية باتت ترى في سلوك القيادات عقبة جدية أمام مشروع الدولة العادلة، وليست مجرد انحرافات عابرة يمكن إصلاحها بخطاب الوعظ أو النصح.
هذا الفراغ الاستراتيجي في القيادة السياسية الشيعية يتجلى اليوم بوضوح. فبينما تراجعت المرجعية عن لعب دور الضامن اليومي للعملية السياسية، لم تنجح القوى الشيعية في بلورة قيادة جامعة تمتلك رؤية للدولة وإرادة لإصلاحها. الانقسامات القائمة لم تعد مجرد تنافس على المقاعد، بل أصبحت عنواناً لعجز هيكلي عن إنتاج مشروع وطني متماسك يوازن بين المصالح الفئوية ومتطلبات الدولة الحديثة.
وتبقى النتيجة الأكثر خطورة أن الفساد السياسي والإداري، وقد صار ظاهرة بنيوية لا مجرد حالات فردية، يضعف شرعية أي خطاب إصلاحي ويعمّق الفجوة بين الجمهور وقواه السياسية. ومع غياب آليات حقيقية لمحاسبة الفاشلين، تتحول الانتخابات إلى عملية إعادة تدوير للوجوه، بينما تتسع دائرة الإحباط الشعبي ويزداد شعور المرجعية نفسها بأن صوتها لم يعد يجد أذناً صاغية.
إن أزمة القيادة الشيعية بهذا المعنى ليست حدثاً عابراً، بل انعكاس لمأزق النظام السياسي العراقي في صيغته الحالية. فالمطلوب ليس فقط استبدال وجوه بوجوه، بل إعادة تعريف لمفهوم القيادة داخل البيت الشيعي على أسس الكفاءة والنزاهة والرؤية الوطنية. الانتخابات المقبلة ستكون اختباراً جديداً: إما أن تكرّس واقع الجمود والانقسام، أو أن تفتح الباب أمام تجديد طال انتظاره، يعيد الثقة بين الناخبين وقياداتهم، ويمنح المرجعية سبباً للعودة إلى دورها المعنوي الداعم لا المحبط.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو علي الحسني

    منذ 1 شهر

    إن وجود التيار الصدري بمشاركته بالعملية السياسية ( الانتخابات ) من عدمها هو العقبة والمطب الرئيسي في تعطيل تقدم الإصلاح السياسي للدولة ووقف الفساد على حساب المكون الشيعي الحامل لمسؤولية السلطة التنفيذية .

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

العمود الثامن: لماذا خسرت القوى المدنية ؟

العمود الثامن: مع الاعتذار لعشاق الانتخابات !!

عندما يجفُّ دجلة!

الأقليات وإعادة بناء الشرعية السياسية في العراق: من المحاصصة إلى العدالة التعددية

العمود الثامن: مع الاعتذار لعشاق الانتخابات !!

 علي حسين أثار المقال الذي نشرته أمس في هذا المكان بعنوان " لمذا خسرت القوى المدنية " انزعاج البعض ، وشتائم البعض الآخر وسخرية مَّن يعتقد أننا نعيش أزهى عصور الديمقراطية ، وأن...
علي حسين

باليت المدى: الأخوات العشر

 ستار كاووش ثلاث ساعات بالقطار كانت كافية للوصول من شمال هولندا الى مدينة كولن الألمانية. هي ثلاث ساعات فقط، لكنها كانت كفيلة أيضاً بنقلي من عالم الى آخر. ترجلتُ عند محطة كولن وسحبتُ...
ستار كاووش

حوار نووي ساخن: هل تهدد موسكو وواشنطن بعضهما الآخر بالأسلحة الفتاكة؟

د. فالح الحمـــــراني منذ أن أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 تشرين الأول بيانًا يأمر فيه البنتاغون ببدء تجارب الأسلحة النووية "على قدم المساواة". وموضوعة الأسلحة النووية باتت الشغل الشاغل ليس لوسائل الإعلام...
د. فالح الحمراني

الفوز اللافت لزهران ممداني: "مقاربة عراقية"

د. أحمد عبد الرزاق شكارة الفوز اللافت لزهران ممداني في انتخابات عمدة نيويورك يجعلنا نفكر في الدلالات والتداعيات لمثل هذا الزلزال ليس فقط على الصعيد الأمريكي وإنما في العراق ذاته في مقاربة (مع الفارق...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram