باسل الخطيب
لم يدر بخلد الشاب النجفي الطموح، أن يؤسس مركزاً لنشر الفكر والمعرفة، وهو يخطو خطواته الأولى في جامعة تورنتو الكندية المرموقة للحصول على شهادتي الدكتوراه وما بعد الدكتوراه في التاريخ واللغات القديمة، إلا أن العقبات التي اعترضته ومقدار الجمود الفكري والعلمي الذي واجهه، عند عودته للعراق، لاسيما في مجال العلوم الإنسانية، دفعه للتخلي عن منصب العمادة الأكاديمي المرموق الذي حصل عليه في جامعة الكوفة، ليتفرغ للبحث والتأليف وتأسيس دار نشر يكون فريداً من نوعه.
إنه د. نصير الكعبي، الذي أدرك مبكراً أن المؤسسات الحكومية «مثقلة ومكبلة وغير قادرة على إنتاج معرفة حقيقية مبتكرة تواكب العصر والعالم»، لذلك اتجه لتأسيس (المركز الأكاديمي للأبحاث) ليكون «مؤسسة بحثية مستقلة تعنى بنشر الدراسات الأكاديمية في مجال التاريخ والفلسفة والدين المقارن»، شريطة «ألا يكون مجرد بائعاً للكتب» إنما وسيلة لتحقيق طموحاته العلمية والفكرية، وحزمة أهداف، منها سد الثغرة الكبيرة التي تعانيها الأكاديمية العراقية كما العربية، وأن يكون جسراً ما بين المنجزات المتلاحقة والمتسارعة في مجال العلوم الإنسانية وبين ما هو عربي أو محلي.. فضلاً عن إنصاف الرعيل الأول من المفكرين والباحثين العراقيين وتبني أعمالهم.
لذلك فقد اعتمد المركز على الترجمة بنحو أساس، لاسيما أن العراق قد «خرج من صندوق أسود بعد عام 2004 إذ لم يكن يرى ما يدور في العالم»، بحسب قوله.
مراحل صناعة الكتاب
يقول د. نصير، الذي التقيته خلال زيارة عمل إلى مدينة السليمانية، إنه ومن خلال التجربة «تمر صناعة الكتاب بثلاث مراحل رئيسة إحداها تكمل الأخرى»، ويشير إلى أن أول تلك المراحل هي «عتبة الاختيار التي يترتب عليها كل ما بعدها إذ يخضع ما يتم اختياره من أعمال لقواعد صارمة لتحديد ما إذا كانت مفيدة وتهم العالم العربي أم مجرد ترفاً فكرياً».
ويضيف أن المركز "يستعين بمجموعة من المختصين في أنحاء العالم لترشيح ما يستحق النقل للعربية إذ أصبح له النضج اللازم في التعاقد مع شركات أو دور نشر أو جامعات ومراكز بحثية عالمية معروفة (منها جامعات كولومبيا، كامبردج واكسفورد، ودار نشر بريل (تأسست في مدينة ليدن الهولندية عام 1683 وطبعت أول الكتب العربية قبل خمسة قرون) حتى أن المركز تحول بعدها إلى خبير يستشار من قبل تلك الدار وغيرها نظراً لطبيعة إصداراته ومدى رصانتها وجودة ترجمتها". وفي المرحلة الثانية، يواصل الكعبي "تبدأ عملية الترجمة والتحرير والمراجعة والطباعة وفيها يدخل المركز في حوار مع مجموعة مترجمين لإقناعهم بمدى أهمية العمل المراد ترجمته ونشره لاختيار من لديه قاموس المفردات في الحقل المعرفي المراد الترجمة منه"، ويبين أن أي عمل مترجم "يخضع لمراجعة سرية من قبل خبيرين للتأكد من سلامته ودقته ورصانته من ثم يعود للمترجم الأصلي للتصحيح والمراجعة النهائية ليذهب بعدها للتحرير والمراجعة اللغوية على وفق قواعد صارمة لضبط النص ومن ثم يدخل مرحلة التصميم".
وبرأي د. نصير الكعبي، فان عملية تصميم الغلاف هي "الأصعب لأن المركز ومنذ أول إصداره الأول (أبحاث في تاريخ العرب قبل الإسلام للمؤرخ العراقي المعروف د. جواد علي 1907- 1987) حتى الآن يعتمد هوية بصرية ثابتة وشكل خاص من حيث الألوان والخط بحيث يمكن تمييزها وتحديد عائديتها"، ويلفت إلى أن من بين المصممين الذين يعتمدهم المركز "الفنان التشكيلي المعروف سعدي الكعبي والخطاط علي الحساني على سبيل المثال لا الحصر".
ويوضح الكعبي، أن المرحلة الثالثة تتمثل بـ"التوزيع وإيصال الكتاب إلى أبعد بقعة بالعالم"، وينوه إلى أن المركز "اعتمد في البداية على أحد دور النشر العربية الكبرى (شركة المطبوعات اللبنانية) ومن خلال المشاركة بالمعارض ضمن جناح تلك الدار بدأت نتاجات المركز تستقطب الجمهور وعندما زادت إصدارات المركز أعلن استقلاله الكامل بالتوزيع عام 2014 بعد ترسخ مكانته في ذهن الجمهور وكسب اهتمامهم الاستثنائي في المعارض التي يشارك فيها كمعرض الرياض الدولي مثلاً".
نشر المسكوت عنه
وبشأن نوعية إصدارات المركز، يقول الكعبي، إنه يبحث عن «المسكوت عنه في الثقافة العربية إذ بات الأكثر جرأة في التأسيس لسلسة حيوية مغيبة اسمها الجنس والجندر في المجتمعات العربية وقد أنتج فيها مجموعة مؤلفات مهمة منها البغاء السري في بغداد تأليف د. كريم محمد حمزة وهو عمل أكاديمي أشرف عليه عالم الاجتماع العراقي الشهير علي الوردي وكتاب المثلية الجنسية في العالم العربي الذي صدر باللغة الإنكليزية عن جامعة كولومبيا للمؤلف خالد الرويهب وترجمته د. هناء غني خليف وكتاب الملكات والخصيان والمحظيات في التاريخ الإسلامي الصادر حديثاً من جامعة إدنبرة وهو من تأليف طائف الأزهري وترجمه د. نسرين قدار»، ويتابع أن المركز «أصدر أيضاً سلسلة عن الإسلام المبكر تضمنت قراءة جديدة وسلسلة أهل الذمة في المجتمعات الإسلامية وسلسلة الاستشراق وسلسلة الانثروبولوجيا (علم الإنسان والبيئة) وسلسة السيكولوجيا (علم النفس) وسلسلة الرحلات وسلسلة الحوارات وسلسلة أديان مقارنة وسلسلة المقدمات في كل شيء (التاريخ، الذكاء، الألوان ورمزيتها، سقوط الامبراطوريات... إلخ) وغيرها فضلاً عن كتب أخرى عديدة منها مسالك العطور وتاريخ الخبز من الثمرة البرّية إلى الرغيف ومقاربات فـي تاريخ تفسير القرآن الاتجاهات المنهجيّة الحديثة».
كنز معرفي جديد
ويكشف د. نصير الكعبي، عن «عثور المركز مؤخراً على كنز معرفي يتمثل بمخطوطة تضم عشرة مجلدات بقلم المؤرخ العراقي الراحل د. جواد علي عن العرب في العصر الإسلامي»، ويؤكد أن المركز «يعمل حالياً على تحقيق وإصدار ذلك العمل المهم في أقرب وقت ممكن بإذن الله تعالى».
ويرى مدير المركز الأكاديمي للأبحاث، أن التمويل "يشكل العقبة الرئيسة الأبرز التي تواجه أي دار نشر"، ويفسر أن من "الصعب جداً إنتاج ما يتضمن معرفة جديدة ومبتكرة وتحقيق المردود المالي المطلوب في الوقت نفسه لذلك يركز المركز على تحدي إنتاج كتب تتميز بالجودة العالية والابتكار والقدرة على تحقيق المردود المالي".
نصير الكعبي: اسعى لنشر المسكوت عنه

نشر في: 6 أكتوبر, 2025: 12:02 ص









