TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من أوكرانيا إلى غزة: أوقفوا الحروب الآن

من أوكرانيا إلى غزة: أوقفوا الحروب الآن

نشر في: 8 أكتوبر, 2025: 12:01 ص

نبأ البراك

كل حرب تبدأ برصاصة، لكنها لا تنتهي إلا بقرارات شجاعة. في أوكرانيا، كما في غزة، يتساقط الضحايا يوميًا بينما يتجادل الساسة في القاعات المغلقة. كل ساعة تأخير ليست حيادًا، بل جريمة جديدة تُضاف إلى سجل جرائم الإنسانية. آن الأوان لإيقاف هذا النزيف، لأن العالم لا يحتمل حربًا أخرى، ولأن الشعوب لا تملك ترف الانتظار. في عالم تتشابك فيه المصالح وتتداخل فيه القوى، يبدو أن أي نزاع يبدأ صغيرًا، لكنه ما يلبث أن يتحول إلى كرة ثلج تكبر مع مرور الوقت، يصعب إيقافها أو السيطرة عليها. هذه الحقيقة لا تنطبق على الأزمات الشخصية فقط، بل على الصراعات الدولية الكبرى. كلما طال النزاع، تعقّد الحل.ففي البداية، قد تكون المشكلة واضحة ومحدودة الأطراف، يمكن الوصول إلى حلول مباشرة وحاسمة. لكن مع مرور الأيام، تتعدد التدخلات، تتشعب الآراء، وتتضارب المصالح. وما كان في الأصل خلافًا يمكن حله على طاولة صغيرة، يصبح ساحة معركة مفتوحة أمام أطراف لا حصر لها، كل منها يسعى لتحقيق مكاسب خاصة، حتى ولو كان الثمن معاناة شعوب بأكملها.
أوكرانيا..نزيف بلا نهاية
حرب أوكرانيا مثال صارخ على مأساة التأجيل. كان يمكن منذ بدايتها أن تُحتوى عبر مفاوضات حقيقية، لكن الحسابات السياسية والعسكرية للدول الكبرى حوّلتها إلى حرب استنزاف طويلة، ضحيتها الأولى الإنسان الأوكراني والروسي على حد سواء. استمرار الحرب يعني اقتصادًا منهارًا، ملايين اللاجئين، واستنزافًا يهدد استقرار القارة الأوروبية بأسرها.
غزة.. كارثة إنسانية مفتوحة
أما حرب غزة، فهي مأساة إنسانية بكل المقاييس. استمرارها لا يعني فقط دمارًا شاملاً للبنية التحتية وفقدان آلاف الأرواح، بل يزرع بذور أحقاد جديدة ستؤجج المنطقة لعقود قادمة. كل يوم تأجيل للحل هو يوم إضافي من المعاناة، ويوم إضافي تبنى فيه جدران الكراهية التي ستصعب إزالتها مستقبلًا. غياب المفاوضين الحكماء... معضلة عالم اليوم المشكلة في أوكرانيا وغزة ليست فقط في جذور الصراع، بل في غياب المفاوضين الحكماء المحايدين. نحن في عالمٍ يفتقر إلى الأصوات التي لا تميل شرقًا ولا غربًا، لا تغريها الصفقات، ولا تتحزب للأعراق أو الأديان أو الأيديولوجيات، بل تعمل بنوايا خالصة من أجل الإنسان والسلام. وللأسف، هذا كله نادر الوجود في واقع تحكمه المصالح والولاءات والانتماءات الضيقة. لا أحد يفكر بصلاح العيش المشترك؛ الكل يبحث عن المغانم والسيادة، وكأن الإنسانية أصبحت سلعة ثانوية في أسواق السياسة. الأزمات المعقدة تحتاج أكثر من أصحاب الشأن بعض الأزمات المعقدة لا يُعقل ترك حلها لأصحاب الشأن وحدهم. فصاحب الشأن، مهما كانت خبرته، تحكمه عواصف العاطفة، واعتبارات الكرامة، وضغوط الثأر، وتقيّده نظرة محيطه وكلام الآخرين. هنا تبرز الحاجة إلى الحكماء، أولئك الذين يقفون خارج الدائرة المشتعلة، بعيدين عن الانفعال، قادرين على رؤية ما يغيب عن أعين المتخاصمين. دورهم هو البحث عن نقاط الالتقاء، وصياغة حلول تحفظ ماء الوجه للجميع، وتدفع نحو خط النهاية بأقل الخسائر وأكبر المكاسب. الحكمة وحدها لا تكفي دون شجاعة لكن الحكمة وحدها لا تكفي إن لم ترافقها الجرأة. فلا يكفي أن يجتمع الحكماء ويبحثوا عن الحلول، إن لم يكن بينهم من يملك الشجاعة ليقول للمخطئ: أنت مخطئ. كثير من الحروب طالت لأن أحدًا لم يجرؤ على مواجهة المتسببين فيها، فتركوهم يواصلون خطاياهم دون حساب.
الحقيقة المؤلمة هي أن السلام يحتاج إلى حكمة ترسم الطريق وشجاعة تصارح بالحقائق. فالمهادنة العمياء ليست حيادًا، بل تواطؤ مع استمرار المأساة.
وعلى هامش الحربين.. كوكب يغلي
على هامش هاتين الحربين الكبريين، تشتعل الأرض بمناوشات وصراعات لا تنتهي هنا وهناك. نزاعات إقليمية، حروب بالوكالة، سباقات تسلح، واستعراضات قوة لا هدف لها سوى إثبات الهيمنة. كوكبنا يغلي تحت ضغط الدم المسفوك والكراهية المتراكمة، وكأنه على وشك الانفجار. لا أحد يتوقف ليتساءل: إلى أين نمضي؟ وإلى متى يمكن أن يحتمل هذا الكوكب نزيف البشر والحجر معًا؟ لقد صار السلام ضرورة بقاء، لا ترفًا سياسيًا.
التأجيل ليس حيادًا.. بل مساهمة في الجريمة
في الأزمات، التأجيل موقف، لكنه ليس محايدًا. من يؤخر الحلول يطيل عمر المأساة، ومن يتذرع بانتظار «الوقت المناسب» يختار فعليًا استمرار النزيف. السلام لا يحتاج إلى سنوات من المداولات، بل إلى إرادة صادقة وقرار شجاع.صرخة إنسان أنهكته الحروب ارجوكم... لقد تعبنا.استنزفتنا الأخبار، وأرهقتنا الحروب، وأصبحنا نبحث عن فسحة هدوء في أواخر أعمارنا، لا قلق فيها ولا خوف على أولادنا وأحفادنا. المستقبل أمامهم مالحٌ مُظلم، عالم يتكالب على إنتاج السلاح وتجهيزه، ويترك الإنسان عاريًا من الأمان. نريد فقط أن نطمئن أن الغد لن يلتهم أحلامهم، وأن قوتهم ستُبنى بالعلم والحياة لا بالقتل والدمار. متى يفهم العالم أن السلام ليس رفاهية، بل حقٌّ للبقاء؟ السلام لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى قرار.كل تأجيل يعني طفلاً آخر بلا مأوى، أمًّا تبكي فلذة كبدها، جثثاً تُدفن تحت الركام. التاريخ لا يرحم المترددين، ولن يغفر للأيادي التي كان بوسعها أن توقف النزيف ولم تفعل. فلنرفع أصواتنا اليوم، لا غدًا، ولنجعل إنهاء الحروب واجبًا لا خيارًا. لأن الإنسانية الحقيقية تُقاس بقدرتنا على إيقاف الألم، لا بتبرير استمراره.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram