بغداد/ محمد العبيدي
مع اقتراب موعد الاقتراع العام في تشرين الثاني المقبل، تتسع دائرة الجدل حول آليات المراقبة داخل مراكز الاقتراع، في ظل ما يسميه مختصون بـ"اقتصاد الظل الانتخابي"، الذي بات يتغذى على الثغرات التنظيمية في عملية تسجيل المراقبين، وتحولها إلى وسيلة للإنفاق السياسي وتوظيف المال الانتخابي خارج الأطر الدعائية التقليدية.
وخلال الأيام الماضية، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق مقاطع مصوّرة توثق عروضاً من بعض المرشحين لتسجيل مئات المراقبين باسم قوائمهم، مقابل مبالغ مالية وصلت إلى 100 ألف دينار في اليوم الواحد، إلى جانب وعود بتقديم امتيازات لاحقة، إذ اعتُبر هذا السلوك دليلاً على استغلال وظيفة المراقبة في غير غاياتها الأساسية، وتحويلها إلى أداة لضمان الولاءات بدلاً من ضمان الشفافية.
وتنصّ تعليمات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على أن لكل حزب أو كيان سياسي الحق في وجود مراقب داخل كل محطة اقتراع، بحيث يكون المراقب تابعاً للكيان أو التحالف الذي يمثله.
حسابات المفوضية
وفي هذا السياق، أكد رئيس الفريق الإعلامي لمفوضية الانتخابات، عماد جميل، لـ(المدى)، أن "جميع المراقبين داخل المحطات الانتخابية يكونون تابعين للحزب أو الكيان السياسي الذي يمثلونه، وليس للمرشح مباشرة"، موضحاً أن "المرشح الذي يرغب بوجود مراقبين عنه، ينسق مع حزبه أو تحالفه لتوفيرهم، باستثناء بعض الحالات الخاصة بالمرشحين المستقلين الذين يمكن أن يُسمح لهم بمتابعة العملية وفق ضوابط محددة".
وأضاف جميل أن "المفوضية تحسب حساباتها بدقة بهذا الشأن، خصوصاً مع وجود 31 تحالفاً و38 حزباً، وتعمل وفق هذه الإحصاءات لتنظيم عملية المراقبة بشكل متوازن داخل المركز والمحطة الانتخابية"، مشدداً على أن "المفوضية تتعامل فقط وفق القانون والشروط المحددة، وأن أي ما يُذكر خارج هذا الإطار لا تأخذ به، مع التزامها الكامل بضمان نزاهة العملية الانتخابية وسلامة نتائجها".
ويتيح هذا التنظيم القانوني للأحزاب الكبرى توزيع آلاف المراقبين على مراكز الاقتراع، خصوصاً في المحافظات ذات الكثافة السكانية مثل بغداد ونينوى والبصرة، وهو ما كان يُفترض أن يعزز الرقابة والشفافية، لكنه تحول في الممارسة إلى باب جديد للإنفاق الانتخابي.
وتستغل بعض الكيانات السياسية هذا الحق لتوظيف أعداد كبيرة من المراقبين لأغراض لا تتصل بالرقابة المباشرة، بل تتعلق بالولاء السياسي والتعبئة لصالح مرشحيها.
تحرك نيابي
ويرى مختصون أن دفع مبالغ مالية متفاوتة للمراقبين، تتراوح بين أجور رمزية وأخرى مرتفعة، جعل من المراقب "ناخباً مضموناً" تحت غطاء قانوني، في مشهد يكشف ضعف الإجراءات وتنامي نفوذ المال السياسي داخل العملية الانتخابية.
وبحسب بيانات المفوضية، فإن عدد مراكز الاقتراع في عموم البلاد بلغ 8 آلاف و788 مركزاً، فيما وصل عدد محطات الاقتراع إلى أكثر من 40 ألف محطة في جميع المحافظات، ما يعني أن عدد المراقبين المرشحين للتواجد يوم الاقتراع سيبلغ عشرات الآلاف.
بدوره، أكد النائب في البرلمان تقي الوائلي توجيه كتاب رسمي إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، دعا فيه إلى تقنين وتحديد عدد المراقبين داخل المحطات، للحد من ظاهرة تكليف أعداد كبيرة من الناخبين بصفة "مراقب كيان"، مشيراً إلى أن "هذه الممارسات باتت تشكل ثغرة واضحة يتم من خلالها استغلال الأموال العامة والمال السياسي لشراء الأصوات والتأثير على سير المنافسة الانتخابية".
وأوضح الوائلي أن "تضخم أعداد المراقبين لا يشير للحاجة الفعلية للعملية الانتخابية، بقدر ما يمثل وسيلة للتحايل وتكريس النفوذ"، مطالباً المفوضية بـ"إعلان خطوات واضحة تضمن ضبط عملية تسجيل المراقبين وفق ضوابط أكثر صرامة، بما يحافظ على نزاهة الانتخابات المقبلة ويمنع الالتفاف على القانون".
مراقبون أم ناخبون مقنّعون؟.. جدل متصاعد حول توظيف المال السياسي في مراقبة الانتخابات

نشر في: 8 أكتوبر, 2025: 12:02 ص









