بغداد/ المدى
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في الشهر المقبل، يواجه المكوّن التركماني في العراق تحديا سياسيا غير مسبوق يتمثل بتراجع حضوره الانتخابي وتشتت قواه بين قائمتين متنافستين، في وقت تتزايد فيه ضغوط المال السياسي وتدخلات الأحزاب الكبرى والقوى الإقليمية في الساحة الانتخابية.
ويرى نواب وباحثون أن الانقسام الداخلي بين التركمان السنة والشيعة، إلى جانب غياب التنظيمات الفاعلة والخطاب الموحد، أسهما في إضعاف الصوت التركماني وتقليص فرصه في الفوز بمقاعد مؤثرة داخل البرلمان، بينما تحوّل "الدعم الخارجي، خصوصاً التركي"، إلى عامل انقسام بدل أن يكون رافعة سياسية للمكوّن.
ويحذر مراقبون من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى مزيد من التهميش السياسي، في ظل صراع النفوذ بين أنقرة وطهران والقوى المحلية، ما يجعل التركمان أمام اختبار صعب لإعادة بناء وحدتهم واستعادة موقعهم في المعادلة الوطنية بعد سنوات من التراجع والإقصاء.
وفي هذا السياق، يقول النائب التركماني مختار الموسوي، إن "وضع المكوّن في الانتخابات المقبلة أضعف مقارنة بالدورات السابقة، نتيجة تدخل الأحزاب الكبرى، واستخدام المال السياسي ونفوذ القوى الإقليمية الذي أثر سلبا على فرص التركمان في الفوز بمقاعد حاسمة داخل البرلمان".
ويضيف الموسوي، أن "التدخلات تشمل الأحزاب الإسلامية والعربية والكردية، التي استغلت النفوذ المالي والسياسي للضغط على العملية الانتخابية، ما أدى إلى تشتت أصوات التركمان وتراجع حضورهم في المشهد العام".
ويشير إلى أن "الوضع في كركوك وصلاح الدين وطوزخورماتو صعب للغاية، ومن المتوقع ألا يتجاوز عدد المقاعد التركمانية ثلاثة مقاعد في هذه المحافظات مجتمعة"، لافتا إلى أن "التركمان بطبيعتهم مسالمون، ولم يستخدموا النفوذ أو التهديد، ولذلك أصبحوا في وضع أضعف من غيرهم"
ويتابع أن "الأجيال الجديدة ما زالت متمسكة بالهوية القومية والرموز التركمانية، لكنها لم تنجح بعد في تحويل ذلك إلى قوة سياسية منظمة قادرة على التأثير داخل البرلمان أو الحكومات المحلية".
ويتهيأ التركمان لخوض الانتخابات ضمن قائمتين؛ الأولى هي جبهة تركمان العراق الموحد بـ 24 مرشحا أبرزهم أرشد الصالحي، ونيازي معمار أوغلو، وهي تمثل الامتداد التقليدي للجبهة التركمانية العراقية، وتحظى بدعم مباشر من أنقرة وتعمل على الحفاظ على الطابع القومي المستقل في خطابها الانتخابي.
أما الثانية، فهي قائمة جديدة تحمل اسم "المنقذون"، يقودها السياسي التركماني عمار كهية، وتضم شخصيات سياسية تحظى بدعم من منظمة بدر بزعامة هادي العامري، ما يجعلها أقرب إلى محور الإطار التنسيقي.
من جهته، يؤكد الباحث في السياسات الاستراتيجية كاظم ياور أن "المكون التركماني في العراق يواجه تراجعا مستمرا في التمثيل السياسي والانتخابي منذ فترة، سواء في البرلمان العراقي أو مجالس المحافظات أو حتى في حكومة إقليم كردستان".
ويضيف ياور، أن "التحولات في السياسات الإقليمية والدولية أدت إلى تراجع الاعتماد على العنصر القومي كمحرك أساسي في بناء الأحزاب وصنع القرار، بعدما كانت القومية العربية والتركمانية والكردية تشكل محور التوجهات السياسية في العقود الماضية".
ويردف أن "الانقسامات الداخلية بين التركمان السنة والشيعة انعكست على تشكيل القوائم الانتخابية، فهناك في كركوك قائمتان تركمانيتان يغلب عليهما الانتماء المذهبي أكثر من الانتماء القومي، ما جعل الصوت التركماني منقسما وضعيفا أمام الكتل العربية والكردية”، مشيرا إلى أن “غياب التنظيمات السياسية الفاعلة والخطاب الإعلامي الموحد جعل التركمان يعتمدون على شخصيات فردية وجماهيرية مؤقتة أكثر من اعتمادهم على مشروع قومي راسخ".
وتشير المعطيات إلى أن جزءا من القوى التركمانية ما زال يعول على الدعم التركي لتعزيز موقعه، بينما تقترب أطراف أخرى من القوى الشيعية والكردية في بغداد وأربيل، وهو مسار جعل أبناء المكون رهنا لتقاطع المصالح بين أنقرة وطهران وواشنطن، دون امتلاك رؤية مستقلة تحفظ مصالحهم داخل العراق، بحسب التقديرات.
وفي موازاة ذلك، يعزو النائب التركماني السابق فوزي أكرم ترزي أسباب هذا التراجع، إلى أن "المكوّن التركماني تعرض منذ عام 2003 إلى تهميش ممنهج وإقصاء سياسي واقتصادي وأمني، أسهم في إضعاف حضوره داخل مؤسسات الدولة".
ويضيف ترزي، أن "التركمان وقفوا دائما إلى جانب وحدة العراق، ورفضوا مشاريع التقسيم والتدويل، ولهذا السبب تمت محاربتهم بطرق مختلفة، من بينها التغيير الديموغرافي في كركوك وطوزخورماتو والإقصاء من المناصب السيادية".
ويوضح أن "التمثيل السياسي للتركمان تراجع بسبب فقدان الثقة بين الجمهور وقياداته، والانقسامات بين القوائم، إذ يخوض التركمان اليوم الانتخابات بقائمتين فقط، ما يجعل صوتهم ضعيفا أمام الكتل الكبرى".
ولدى التركمان تمثيل محدود في مجلس النواب الحالي المنبثق عن انتخابات عام 2021، إذ حصلوا على أربعة مقاعد فقط ضمن القوائم التركمانية الصريحة، لكن عند احتساب المرشحين من أصول تركمانية الذين خاضوا الانتخابات ضمن قوائم كبرى فإن عددهم يرتفع إلى نحو سبعة نواب.
وبعد سقوط النظام السابق عام 2003، دخل التركمان المشهد السياسي بقوة نسبية من خلال الجبهة التركمانية العراقية التي تأسست بدعم مباشر من تركيا، وقد حصلت حينها على تمثيل معتبر في الجمعية الوطنية الانتقالية وفي الحكومة المؤقتة، إلا أن ذلك الدعم سرعان ما تحوّل إلى عامل انقسام داخلي، بعدما بدأت أطراف تركمانية شيعية تتهم أنقرة بمحاولة احتكار القرار التركماني وتهميش المكوّن الشيعي داخل الجبهة.










