ترجمة : عدوية الهلالي
"الطبقة الوسطى" فيلم كوميدي اجتماعي يُمكن مقارنته بالفيلم الكوري الجنوبي الكلاسيكي "طفيلي"، على الرغم من أن مخرجه، أنطوني كوردييه، يدّعي استلهامه من الكوميديا الفرنسية القوية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
عُرض هذا الفيلم ضمن أسبوعي صانعي الأفلام في مهرجان كان السينمائي لعام 2025، ويشارك فيها لوران لافيت وإيلودي بوشيه بدور برجوازيين ضيقي الأفق، مقابل رمزي بيديا ولور كالامي، حارسي الفيلا الماكرين. فبعد فيلم "غاسبار في حفل الزفاف" (2018)، ابتكر أنتوني كوردييه كوميديا تتناول العلاقات الطبقية، بمشاركة أربعة ممثلين وممثلات مرحين. ويُعرض هذا الفيلم حاليا في دور العرض الفرنسية .
تدور الأحداث في فيلا جميلة في جنوب فرنسا، والشخصيات: زوجان ثريان، وهما لوران لافيت الذي يظهر هنا بغيضا وجبانا وإيلودي بوشيه، وخادماهما، لور كالامي ورمزي بيديا،إضافة الى ثنائي ثالث،هما ابنة مالكي الفيلا وصديقها، مهدي، طالب القانون الذي يرغب في التدريب في مكتب محاماة والد زوجته. تقع عدة حوادث ومواقف سوء فهم تجعل الموقف سامًا، بل وعنيفًا. وفي فيلم أنتوني كوردييه، ذو الصبغة الاجتماعية، الكثير من الضحك، والكثير من الإحراج أيضًا، حيث تتحول النغمة بانتظام من الكوميديا التهريجية إلى انتقاد ساخرللعلاقات الطبقية.وغالبًا ما تكون المواقف التي يُفترض أنها كاريكاتورية واقعية للغاية وقد جسدها طاقم تمثيل متميز ببراعة .
تستعد عائلة تروسلار لقضاء صيف هادئ في منزلها الثاني في مكان ما بجنوب فرنسا ..وترافق العائلة ابنتها، غارانس (نويه أبيتا)، الممثلة الطموحة، ومهدي (سامي أوتلبالي)، حبيبها، المدعو لأول مرة. يبحث الزوجان الأب (لوران لافيت ) والأم (إيلودي بوشيه) عن الاسترخاء حيث يتولى الاب - وهو محامي أعمال شغوف بفن الطهي والعبارات اللاتينية - مهمة الطهي ..ويعيش كل هؤلاء الأشخاص الرائعين في مساحات راقية في منزل فاخر، يُعهد بصيانته وادارة خدماته للزوجين توني ونادين (رمزي بيديا ولور كالامي)، اللذان يُعاملان باستخفاف، إن لم يكن ازدراءً. ويكون لمهدي ايضا نصيب من هذا الاستخفاف ،والذي، على الرغم من تخرجه الأول على دفعته وتنتظره مسيرة مهنية باهرة كمحامٍ، يبقى في نظر زوج والدته "فتىً صغيرًا" من عائلة متواضعة من أصل مهاجر. وحرصًا منه على فعل الصواب، عرض مهدي التوسط في نزاع بين آل تروسلارد والزوجين اللذين يُصرّان على الاستفادة ماليًا من خلاف انتهى إلى الفشل.
في هذه الكوميديا الجديدة، يغوص أنتوني كوردييه في النسيج الاجتماعي بتركيز كاميرته على البرجوازية، من خلال شخصية نموذجية لهذه الطبقة الاجتماعية.، إذ يجسد لوران لافيت بمهارة دور هذه الشخصية الحقيرة، التي يمكن أن تُعرض في مسرحية موليير.وفي سلسلة من المشاهد المضحكة نوعًا ما، يستمتع المخرج بتصوير هذه البرجوازية المُعتصمة في برجها العاجي، والمُقتنعةً باحتكارها للذكاء والثقافة والذوق الرفيع، والمنفصلة تمامًا عن الواقع ..يقول مهدي :"كل ما أطلبه هو القليل من الاحترام"، بعد أن دُفع إلى هذا العالم وهذه العائلة التي يرتكب بمحاولته التوسط لاصلاحها خطأ فادحا. لقد خطط مهدي لقضاء صيف هادئ في منزل أهل زوجته الفاخر. ولكن عند وصوله، يندلع خلاف بين عائلة خطيبته والزوجين اللذين يعتنيان بالفيلا. ولأن مهدي ينحدر من خلفية متواضعة، يعتقد أنه قادر على قيادة المفاوضات بين الطرفين وإعادة الجميع إلى صوابهم. ولكن كل شيء يزداد سوءا.
ويُظهر الفيلم أيضًا غرور عائلة تروسلار، وعلى الرغم من أن الفيلم يبدأ بنبرة إيجابية لصالحهم، إلا أنه لا يُغفل معاناة الزوجين الخادمين اللذين لديهما رغبة في الانتقام، ويعتزمان استغلال هذا الخلاف لتحقيق وضع اجتماعي أفضل. كما تُطرح مسألة المنشقين الطبقيين من خلال شخصية الصهر، المنحدر من أصول مهاجرة ، والذي يجد صعوبة بالغة في اختيار أي جانب، بينما هو نفسه موضع احتقار طبقي من "السيد" وحتى من ابنته.
تُعبّر هذه الكوميديا المبهجة بوضوحٍ شديد عن احتقار الطبقة، وإعادة الإنتاج الاجتماعي، والأسئلة المُحيطة برغبة المرء في الهروب من واقعه، دون أن يفقد روحه، ودون أن ينضم إلى أولئك الذين يتمنون أن يبقى عالمهم على حاله ولا يتغير أبدًا.
ومع أن تصوير البرجوازية هذا ناجحٌ نوعًا ما، بحوارٍ مكتوبٍ جيدًا، وديكوراتٍ مُلائمة، وطاقمٍ مُختارٍ بعناية، إلا أن الحبكة، المُتباطئة بعض الشيء، لا تبدو مُدركةً إلى أين تتجه أو ما هي خاتمتها المُرادة. وهذا التردد يُؤدي في النهاية إلى انزلاق الفيلم إلى مُهزلةٍ مُصطنعة نوعًا ما، ويفقده خفة ظلّه وطرافته وروح الدعابة في جزئه الأخير.
فيلم "الطبقة الوسطى" في دور العرض: كوميديا سوداء فرنسية تتناول الصراع الطبقي

نشر في: 9 أكتوبر, 2025: 12:02 ص









