متابعة/ المدى
رغم التحديات الجسدية وقلة الإمكانات، تمكن شاب من محافظة إيلام الفيلية الإيرانية من تحقيق ما قد يعجز عنه كثيرون.
إيمان أحمدي، البالغ من العمر 28 عاماً، من قرية رستم خان التابعة لناحية زرنه في قضاء إيوان، نجح في تأسيس مكتبة شعبية تضم أكثر من ألفي كتاب، متحدياً إعاقته الحركية وظروفه المعيشية المحدودة، ليغدو نموذجاً ملهماً للإرادة والأمل بين شباب منطقته.
وبحسب تقرير لوكالة فارس الإيرانية، فإن هذه المبادرة الفردية تأتي في وقت تؤكد فيه المنظمات الدولية سنوياً أهمية دمج ذوي الإعاقة في عملية التنمية المستدامة، حيث تثبت النماذج الحية من داخل إيران، ولا سيما في محافظة إيلام الفيلية، أن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بداية لمسار جديد من التمكين الشخصي والاجتماعي.
إيمان أحمدي، الذي يعاني من إعاقة جسدية–حركية منذ الطفولة، اختار رفض العزلة وانتظار التوظيف الحكومي، فحوّل جزءاً من محل والدته العاملة في الخياطة إلى مكتبة عامة مفتوحة للجميع.
وقال أحمدي في حديثه مع الصحفيين المحليين: "كنت دائماً قلقاً من غياب ثقافة القراءة بين شباب القرية الذين يقضون معظم أوقاتهم في الفضاء الإلكتروني. شعرت أننا بحاجة إلى العودة إلى الكتاب، فبدأت بنفسي وجعلت كل خدمات المكتبة مجانية."
حوالي نصف محتويات المكتبة تم توفيرها عبر تبرعات من دائرة الثقافة والإرشاد الإسلامي ومركز تنمية فكر الأطفال والناشئين في إيلام، فيما تولى أحمدي تأمين النصف الآخر على نفقته الخاصة.
ورغم محدودية الدعم الرسمي، تحوّلت مكتبة "رستم خان" إلى مركز حيوي يرتاده الأطفال والمراهقون يومياً. ويواصل أحمدي نشاطه الثقافي صباحاً ومساءً، موجهاً الزائرين بنفسه ومشرفاً على تنظيم الكتب والفعاليات، فيما تعمل والدته في الجزء الآخر من المحل.
ويؤكد أحمدي أن المكتبة بحاجة ماسة إلى دعم مادي لتوسيع خدماتها، موضحاً أن قيمة التجهيزات الأساسية التي تحتاجها – مثل الرفوف والطاولات والكراسي – تُقدّر بنحو 50 مليون تومان، أي ما يعادل ألف دولار تقريباً.
وأشار إلى أن أبرز دعم تلقاه حتى الآن تمثل في تبرع مركز تنمية فكر الأطفال بـ 500 كتاب، مؤكداً أن مؤسسات الثقافة الرسمية لم تقدم بعد الدعم الكافي لتطوير المشروع. كما قدّم مؤخراً مقترحاً لإنشاء "مكتبة ألعاب" تستهدف تعزيز المهارات الذهنية لدى الأطفال، إلا أن المقترح ما يزال بانتظار الرد الرسمي.
ويأتي هذا الإنجاز في وقت لا تزال فيه معدلات البطالة بين ذوي الإعاقة في إيران مرتفعة، ما يجعل من مبادرة أحمدي نموذجاً يحتذى في الريادة الثقافية والمجتمعية، خصوصاً في المناطق الريفية الأقل نمواً.
وتجدر الإشارة إلى أن محافظة إيلام شهدت خلال السنوات الأخيرة بروز عدد من الشخصيات الملهمة من ذوي الإعاقة، مثل علي أكبر محمدي، بطل البارالمبياد في رمي الثقل والحاصل على ميداليات وطنية ودولية، وسعيد كرمي، الناشط الاجتماعي ورائد الأعمال الذي وفر فرص عمل للشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي المجال الفني، برزت الفنانة التشكيلية مريم رستمي التي شاركت في معارض داخلية ودولية بأعمال مستوحاة من الطبيعة والثقافة المحلية.
وفي حين يُردّد في المناسبات الرسمية شعار "الإعاقة ليست عجزاً"، تثبت قصص النجاح مثل قصة إيمان أحمدي أن تجسيد هذا الشعار يتطلب أكثر من كلمات؛ إذ يحتاج إلى إرادة فردية، ودعم مجتمعي، ورؤية جديدة لمفهوم "التمكين".










