باسم عبد الحميد حموديالمجموعة القصصية الجديدة للروائية هدية حسين (حبيبي كوديا) حملت ملامح التجربة الغنية التي منحتها المنافي للكاتبة التي لم تنفصل يوما عن تاريخها ا لإبداعي المثقل بالتجارب في قصة(أرجوحة الوجوه)لون من حياة مضت ولكنها تستعاد بكل تفاصيلها وذكرياتها حيث القطارات الصاعدة والنازلة وقصف الطائرات والموات والتوق لذكرى اناس غادروا او ابتعدوا حيث تشحب الصورة ويبتعد الحدث.
في قصة (رجل يبكي نفسه)نجد ذاك التنويع الذي انسل ضمن أحداث (أرجوحة الوجوه) عن امرأة غادرت رجلا (ربما غادرها ؟!) وسط مجموعة البؤر الدرامية ؛ حيث نجد الرجل الذي غادرته زوجته بسبب الحرمان منتقلة الى البصرة مع رجل التقاها في المحطة .كان هو في السبعين وقد خسر الكثير يقف أمام قبرها باكياً شريط حياته معها وهو يشعر بخيبته معها ويبكي عند قبرها، فيما كان المشهد الأخير من(أرجوحة الوجوه) يقدم امرأة تفك أغلال ذكرياتها وهي تحوم حول ذكرى رجل أضاعها وضاع .في (حبيبي كوديا) يسقط السبّاح (جودة) الذي أسمته الراوية باسم البطل السومري كوديا , يسقط غريقا في الهور الذي عاد إليه بعد ان أصبح سباحاً دولياً. مشكلة جودة الأساسية انه كان لا يعيش أبعاد عصره وتطوره إذ (كان يفخر أنه من تلك السلالة التي اخترعت أول حرف للبشرية واول قانون واول مدرسة ... الخ) وهو يلقي محاضرته على من أحبته بقلب جامد وعقل مشدود إلى ماض غادرته الدنيا كان جودة قد دخل أضواء بغداد منسحباً من الهور بتأثير من اكتشف موهبته , وما أن فاز بمسابقات محلية ودولية حتى ترك كل مجده عائدا الى الهور الذي رحل منه ليغرق فيه بطريقة لا تتناسب مع بطل . أخذ موت جودة ثلاثة مسارات أولها سخط مدربه عليه وثانيها حزن من أحبته التي أخذت تقلب بطون التاريخ لتعرف شيئا عن الملك كوديا (لعله يدلني على حبيبي الذي أخذته أرواح الأسلاف) وهو المسار الفكري الثالث الذي نجم عن مخيلة أهل الهور الذين آمنوا أن أرواح الأسلاف هي التي اجتذبت جودة إلى قاع ارض الهور بعد أن تأكدت من أخلاصه لميراثها والذي أجده ان هذه التجربة تعبر عن ذروة فكرية ترفض السائد ولكنها لا تنتمي الى ماض لا يعود ,إن نموذج (جودة) موجود على الأرض لكنه يحمل جينات خلل ما ضرب دماغه وفؤاده , والمشكلة الأساسية في من يتوق الى هذيانه أو يؤمن به وقد نجحت القاصة في تفجير هذه الأسئلة في (رصاصة واحدة لا غير) يتبدى جزء أساسي من تجربة إنسانية تعكس في غلافها الخارجي صورا للصراع المفترض بين القاصة وشخوصها ومسارح حيواتهم ويصوّر الجزء الداخلي تلك العلاقة بين بطلة ذات تاريخ مدمى والقاصة حيث تستمر معاناة البطلة طوال عقود من الألم بدأت منذ الحروب الأولى تبكي خلالها البطلة إخوتها والأبناء لتنتهي برصاصة من جندي أجنبي دخلت رأسها ,حيث كانت هذه الرصاصة سبباً في إنهاء سمفونية أحزان ظلت متوقدة لسنوات .في قصة (ذاكرة تتجول في شارع الرشيد) التي كتبتها القاصة عام 2008 نجد إحالات القاصة إلى أماكن ومناطق آلت إلى الانزواء مثل الأسواق المركزية وسينما ركس وروكسي و (جقماقجي) وسواها فيما ظلت بعض الشواخص حية تنبض بالحياة , فالكاتبة تعيش ذكرياتها عن شارع يحتضر وهي تصور أزمة قاصّة تحاور والدتها عن شارع يعيش أزمته . تعيش بقية القصص أزمات وخيبات متعددة وسط عوالم من الحسرة والحب الدائم للحياة والاعتراض على سوء مسيرها والتوق الى حياة أفضل لم تتحقق معالمه بعد. (حبيبي كوديا ) مجموعة قصص جديرة بالانتباه إذ أنها تنطوي على تجربة إنسانية كثيرة التفاصيل تحاول استنهاض ما تبقى من أحلام (صدا) حيث تخون الطرق المسار أحياناً لكن(ليل بارد) يدخل مساحة السرد ليحقق استمرار نجاح متصل حققته الكاتبة عبر تجربتها الإبداعية.
هدية حسين في (حبيبي كوديا).. تجربة سردية جديدة
نشر في: 18 مارس, 2011: 06:00 م