TOP

جريدة المدى > سياسية > واشنطن تصعّد وبغداد تواجه أخطر اختبار سياسي واقتصادي

واشنطن تصعّد وبغداد تواجه أخطر اختبار سياسي واقتصادي

استهداف الإطار يضع الحكومة على حافة العزلة الدولية

نشر في: 14 أكتوبر, 2025: 12:09 ص

بغداد/ المدى
تمر العلاقة بين بغداد وواشنطن بواحدة من أكثر مراحلها توتراً منذ سنوات، بعد أن رفعت الولايات المتحدة منسوب الضغط عبر موجة جديدة من العقوبات طالت شخصيات وكيانات سياسية واقتصادية فاعلة داخل العراق، في خطوة وُصفت بأنها «الأخطر على الإطلاق» في مسار العلاقات الثنائية.
وبينما يسعى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى احتواء الموقف عبر لجنة وطنية لمتابعة قرارات الخزانة الأمريكية، يرى مراقبون أن هذه العقوبات تمثل تحوّلاً نوعياً يهدد استقرار الحكومة، ويضع العراق على حافة مواجهة دبلوماسية واقتصادية مع واشنطن قد تعيد البلاد إلى دائرة العزلة الدولية.
ويقول الباحث والأكاديمي مجاشع التميمي، إنّ "توجيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة وطنية عليا لمتابعة قرارات الخزانة الأمريكية الأخيرة، يعكس إدراك الحكومة لحساسية المرحلة وخطورة العقوبات وتأثيرها السياسي والاقتصادي المباشر على العراق".
ويضيف التميمي، أن "خطورة هذه العقوبات تكمن في شمولها كيانات سياسية فاعلة داخل الإطار الحاكم، ما يشكل تهديدا مباشرا لاستقرار الحكومة الحالية، وقد يعقّد عمل الوزارات المرتبطة بهذه الجهات"، مبينا أن "تغريدة النائب الأمريكي جو ويلسون التي أشار فيها إلى أسماء مثل هادي العامري ومنظمة بدر ومصرف الرافدين، مع وضعه رمز (الساعة) إلى جانبها، تمثل إشارة واضحة إلى اقتراب تحرك أمريكي جديد ضد أطراف عراقية محددة".
ووجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، السبت، بتشكيل لجنة وطنية عليا، من أجل مراجعة قضية فرض عقوبات أميركية، على كيانات عراقية، مؤكداً رفض الحكومة لـ "أي نشاط مالي يستغل لتمويل جماعات مسلحة"، بحسب ما أورد المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي.
ضغوط قصوى
وفي هذا الإطار، يرى التميمي، أن "تشكيل لجنة وطنية عليا خطوة ضرورية، إذ يُنتظر أن تتولى دراسة الأبعاد القانونية والمالية والدبلوماسية للعقوبات، وتقديم توصيات عملية للحكومة حول كيفية التعامل معها بشكل متوازن يحمي مصالح العراق، ويمنع التصعيد مع واشنطن"، مؤكدا أن "سياسة الولايات المتحدة المقبلة، خصوصا في ظل إدارة ترامب المتوقعة، ستستند إلى مبدأ الضغوط القصوى، ما يتطلب من بغداد إدارة الملف بحذر ودقة".
ويحذر التميمي من أن "المشكلة الأعمق تتمثل في أن بعض الكيانات السياسية المشمولة بالعقوبات تشارك فعليا في الانتخابات المقبلة، ما يثير تساؤلات جدية حول شكل الحكومة المقبلة وكيفية التعامل مع وزراء أو كتل تنتمي إلى أطراف معاقبة أمريكيا"، مشددا على أن "أية حكومة قادمة تضم شخصيات أو كيانات مشمولة بالعقوبات قد تواجه عزلة سياسية واقتصادية دولية متزايدة".
ويخلص إلى القول إن "التطورات الأخيرة تمثل مؤشرا بالغ الخطورة على انتقال ملف العقوبات من المستوى المالي إلى المستوى السياسي وربما الأمني في المدى القريب، وهو ما يتطلب من صناع القرار في بغداد تبني مقاربة واقعية توازن بين الحفاظ على السيادة الوطنية وتجنّب الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن".
وتضم اللجنة التي شكلها السوداني مؤخرا، ممثلين عن وزارة المالية وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والبنك المركزي، تتولى مراجعة القضية ذات الصلة، لرفع تقريرها وتوصياتها خلال 30 يوماً، بما يلزم من إجراءات قانونية وإدارية، بحسب البيان الحكومي.
وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، الخميس الماضي، في بيان لها، اتخاذ "إجراءات ضد أفراد وشركات تساعد النظام الإيراني في التهرب من العقوبات الأمريكية، وتهريب الأسلحة، والتورط في فساد واسع النطاق في العراق"، وقد شمل ذلك كل من رئيس اللجنة الأولمبية عقيل مفتن، وشركة "المهندس" التابعة لهيئة الحشد الشعبي ورئاسة الحكومة، وكذلك علي غلام.
وبعد ساعات من بيان الخزانة، شددت السفارة الأمريكية في بغداد على مساعيها لممارسة أقصى الضغوطات على ما أسمتهم "وكلاء إيران" في المنطقة، وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، وذكرت السفارة في تدوينة عبر حسابها الرسمي في منصة "X" أن هذه "المليشيات تقوض سيادة العراق بشكل فعال وتضعف اقتصاده، وتشن هجمات ضد الأفراد والمصالح الأميركية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط".
عزلة دولية
من جهته، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن "اتساع دائرة العقوبات لتشمل نحو سبعة فصائل مسلحة مصنفة كجماعات إرهابية أجنبية من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، وليس فقط وزارة الخزانة، يمثل تطورا خطيرا ستكون له تداعيات مباشرة على المشهد السياسي العراقي"، مبينا أن "هذه الإجراءات تعني أن تلك الجماعات لن يُسمح لها مستقبلا بالمشاركة في تشكيل الحكومات أو التواجد داخل العملية السياسية برعاية أمريكية".
ويضيف أن "إدارة ترامب ستستخدم هذه الورقة كأداة ضغط لفرض اشتراطات على الحكومة المقبلة، تضمن عزل الفصائل المسلحة المقرّبة من إيران عن مفاصل القرار"، محذرا من أنه "في حال مضي بغداد بتشكيل حكومة تضم شخصيات معاقبة وتجاهل هذه الإشارات، فقد تتعامل واشنطن معها كحكومة خاضعة لجماعات إرهابية، وتفرض عليها عزلة سياسية واقتصادية دولية".
ويتابع الشمري، أن "المشهد الراهن يضع حلفاء إيران، سواء من الفصائل أو القوى السياسية، أمام مرحلة حرجة قد تحدد مستقبلهم السياسي، في ظل خطة أمريكية يبدو أنها تهدف إلى تقليص نفوذهم داخل العراق خلال السنوات التي سيقضيها ترامب في البيت الأبيض، عبر استخدام سلاح العقوبات كأداة لتغيير موازين القوى من الداخل".
الأخطر على الإطلاق
من جهته، المحلل السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، العقوبات الأمريكية الأخيرة بـ"الأخطر على الإطلاق في تاريخ العلاقة بين بغداد وواشنطن"، موضحا أن "خطورتها تنبع من كونها تدخل في إطار تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الأسماء والكيانات كتنظيمات إرهابية دولية، وهو ما يمثل تحوّلا نوعيا في مقاربة واشنطن للملف العراقي".
ويضيف حيدر أن "العقوبات التي صدرت عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، تأتي ضمن منظومة أوسع تهدف إلى تطبيق سياسات الأمن القومي والخارجية الأمريكية ضد الأنظمة والجهات التي تصنفها واشنطن كخصوم، بما في ذلك المنظمات الإرهابية وتجار المخدرات الدوليين"، مشيرا إلى أن "المكتب يُعد من أكثر مؤسسات العقوبات تأثيرا، ما يمنح قراراته طابعا تنفيذيا واسع الأثر".
ويتابع أن "ما يجعل هذه العقوبات مختلفة هذه المرة هو أنها تحاصر الدولة العراقية نفسها، لأن الكيانات والأسماء المشمولة بها باتت متداخلة بشكل عميق مع مؤسسات الدولة، الأمر الذي يجعل التمييز بين الدولة وهذه الكيانات أمرا شبه مستحيل"، موضحا أن "القرار الأمريكي استهدف عمليا شبكة النفوذ السياسي والاقتصادي التي تعمل داخل هياكل الحكومة، وليس أطرافا معزولة عنها".
ويشير حيدر إلى أن "هذه الإجراءات تمثل أيضا دليلا دامغا على فشل كل التدابير الحكومية التي ادّعت بغداد اتخاذها خلال السنوات الثلاث الماضية في مكافحة تهريب العملة وغسل الأموال"، مضيفا أن "اجتماعات رئيس الوزراء مع هيئات الشفافية والرقابة المالية لم تثمر عن نتائج ملموسة، بدليل أن قرارات الخزانة ووزارة الخارجية الأمريكية جاءت بتفاصيل دقيقة تثبت استمرار الخروقات وعدم كفاءة الإجراءات العراقية".
ويؤكد أن "الأخطر في هذه العقوبات هو ارتباطها المباشر بالملف الإيراني"، مبينا أن "جميع الأسماء والكيانات التي وردت في القرارين الأمريكيين عوقبت بسبب ارتباطها بطهران، ما يعني أن الولايات المتحدة ما زالت تنظر إلى العراق بوصفه جزءا من المشهد الإيراني"، مشددا على أن "ذلك التصور الأمريكي يجعل بغداد عرضة لتطبيق سياسة (الضغوط القصوى) ذاتها التي تُمارس على طهران، وكأن العراق بنك إيراني أو محافظة تابعة لإيران".
ويضيف أن "هذه الخطوة تمثل في جوهرها تنفيذا عمليا لما يسمى بـ(قانون تحرير العراق من إيران)، الذي بدأت واشنطن بتطبيقه تدريجيا من خلال استهداف الكيانات المتحالفة مع طهران داخل العراق"، محذرا من أن "استمرار هذا النهج سيؤدي في النهاية إلى محاصرة العراق اقتصاديا وماليا بالكامل، وربطه بالعقوبات المطبقة على إيران".
ويختتم حيدر بالقول إن "المطلوب من الحكومة العراقية التحرك فورا لفتح حوار جاد ومباشر مع الإدارة الأمريكية لاحتواء تداعيات هذه العقوبات، ووضع آلية واضحة لحماية مؤسسات الدولة من الانخراط في الصراعات الإقليمية، لأن تجاهل هذا الملف قد يقود العراق إلى عزلة اقتصادية خانقة يصعب الخروج منها مستقبلا".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

القضاء يحسم 853 طعناً على نتائج الانتخابات

الداخلية: العراق بنى منظومة متطورة لمكافحة المخدرات

التخطيط تتجه لتوسيع الرقابة النوعية لتشمل الصادرات والواردات عالية المخاطر

قبول 1832 طالباً في المنح المجانية لكليات المجموعة الطبية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

الفصائلُ تُصعِّد ضد السوداني وتهدد حياة موظفين بعد
سياسية

الفصائلُ تُصعِّد ضد السوداني وتهدد حياة موظفين بعد "خطأ الوقائع"

بغداد/ تميم الحسن تحوّلت ما عُرف بـ"فضيحة الوقائع" إلى منصة للهجوم على رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني، وإلى ذريعةٍ متداولةٍ لمنعه من الترشح لولاية ثانية. واعتبرت فصائلُ مسلّحة وقوى سياسية - بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram