TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > مقاهي السماوة بين متعة السهر وقرارات الإغلاق .. شباب يبحثون عن متنفس وحكومة تلاحق الانفلات

مقاهي السماوة بين متعة السهر وقرارات الإغلاق .. شباب يبحثون عن متنفس وحكومة تلاحق الانفلات

كورنيش الفرات يتحول إلى ساحة جدل بين الحرية والانضباط

نشر في: 15 أكتوبر, 2025: 12:10 ص

 السماوة/ كريم ستار

في قلب مدينة السماوة، وعلى ضفاف نهر الفرات، تمتد سلسلة من المقاهي الشعبية التي أصبحت خلال السنوات الأخيرة ملاذًا مفضلًا لشباب المدينة، ومتنفسًا يوميًا يبدد تعب الحياة وضغوطها المتزايدة.
هذه المقاهي، بأثاثها البسيط وكراسيها البلاستيكية، تحولت إلى مسرح صغير للحياة اليومية، وإلى فسحة لقاءٍ تمنح روادها بعض الهدوء بعيدًا عن صخب الشوارع وهموم المعيشة.
يقول أحمد كريم، شاب في العشرين من عمره، وهو يجلس مع أصدقائه في أحد مقاهي الكورنيش: "نقضي هنا أجمل الأوقات، المكان بسيط لكن فيه راحة نفسية. ما عدنا أماكن ترفيهية حقيقية، لا متنزهات كافية ولا دور سينما، فالمقهى صار بالنسبة إلنا البيت الثاني".
تكلفة الجلوس في هذه المقاهي لا تتجاوز خمسة آلاف دينار عراقي، تشمل الشاي أو النرجيلة، مما يجعلها خيارًا مفضلًا لشريحة واسعة من الشباب، خصوصًا أولئك من ذوي الدخل المحدود أو الطلبة. وبين دخان الأراكيل وأحاديث الأصدقاء، تُروى الحكايات اليومية وتُنسج الصداقات، في مشهد يعكس حاجة الشباب لفضاء اجتماعي حر وغير مكلف.
لكن هذه السهرات التي تمتد أحيانًا حتى ساعات الفجر، دفعت الحكومة المحلية إلى تحديد مواعيد جديدة لعمل المقاهي، وإغلاقها عند الواحدة بعد منتصف الليل، في خطوة قالت إنها تهدف إلى حماية الطلبة والمراهقين من الانفلات والسهر المفرط.
يقول مدير إعلام محافظة المثنى، سعيد مشعان: "كل المقاهي في المثنى تُغلق الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وهناك التزام واضح من أغلب أصحاب المقاهي. القرار جاء بعد تزايد الشكاوى من الأهالي حول تأخر أولادهم في العودة إلى المنازل، وبعض الحالات التي تتعلق بتعاطي المخدرات أو تناول المشروبات الكحولية".
ويضيف مشعان أن القرار جاء بناءً على توصيات من قيادة شرطة المثنى، موضحًا أن: “الإجراء احترازي وليس نهائي، والهدف منه هو تقييم الوضع الأمني والاجتماعي. إذا لاحظنا تحسنًا في سلوك الشباب وانخفاضًا في المشاكل، قد يستمر القرار، أما إذا بقي الحال كما هو، فستُعاد دراسته".
ورغم تأكيد السلطات المحلية على أن الإجراء مؤقت واحترازي، إلا أن القرار أثار استياء بعض أصحاب المقاهي وروادها الذين رأوا فيه تقييدًا للحريات الشخصية، ومحاولة لتقليص المساحات القليلة المتاحة أمام الشباب للترويح عن أنفسهم.
يقول حسن لفتة، صاحب أحد المقاهي على الكورنيش: "نحن نحاول نوفر مكان آمن ومحترم للشباب، والكل يعرف زبائنه. ما عدنا مشاكل كبيرة، لكن قرار الإغلاق المفاجئ ضرنا اقتصاديًا، خاصة إن أغلب الزبائن يأتون بعد الساعة العاشرة في الليل".
ويشير إلى أن "أرباح المقهى تراجعت بنسبة تقارب ٤٠٪ بعد تطبيق القرار، مضيفًا: “كان المفروض يتم التشاور ويصير تنسيق قبل التطبيق، لأن البعض خسر مصدر رزقه. نحن مستعدون نتعاون، بس نحتاج حلول وسط، مو قرارات مفاجئة".
من جهتهم، يرى بعض الأهالي أن القرار جاء في وقته، إذ يعتقدون أن المقاهي أصبحت بيئة جاذبة لبعض السلوكيات السلبية. تقول أم حسين، وهي أم لثلاثة طلاب في المرحلة الثانوية: “ولدي ما يرجع إلا بعد الساعة اثنين أو ثلاث، يظل بالمقهى يلعب ورق ويشرب أركيلة. القرار ساعدنا نضبط الأمور شوي. إحنا ما ضد المقاهي، بس لازم يكون وقت محدد ومعقول".
في المقابل، يرى علي حيدر، أحد مرتادي المقاهي، أن القرارات الحكومية غالبًا ما تتعامل مع النتائج لا مع الأسباب: "الشباب ما عندهم أماكن بديلة، لا حدائق منظمة، ولا مراكز شبابية حقيقية، فطبيعي يروحون للمقاهي. بدل ما يغلقوها، خل يطورون الخدمات ويخلقون أنشطة ترفيهية وثقافية".
وبين مؤيد ومعارض، يبقى كورنيش السماوة قلب المدينة النابض، ومتنفسها الليلي الذي يجمع مختلف الطبقات والأعمار. المشهد فيه لا يخلو من تناقضات: شباب يضحكون في زاوية، وآخرون يتأملون مياه الفرات، وأصحاب مقاهٍ يحصون خسائرهم بعد تقليص ساعات العمل.
ويختم سعيد مشعان حديثه قائلًا: "قيادة شرطة المثنى لم تستشر أصحاب المقاهي قبل تنفيذ القرار، لكنها أبلغتهم رسميًا به. تطبيق القرار يتم عبر مفارز ودوريات أمنية تقوم بجولات ليلية لضمان الالتزام. كل ما نأمله هو تحقيق توازن بين حرية الشباب والحفاظ على الأمن والنظام العام".
وتظل مقاهي الكورنيش رمزًا لروح السماوة الاجتماعية، ومساحة حرة تتجاوز حدود الشاي والنرجيلة، لكنها اليوم تقف عند مفترق طرق بين الحاجة للترفيه وضرورات الانضباط.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram