المدى/خاص
شهدت محافظة صلاح الدين خلال الأشهر الأخيرة أزمة مائية خانقة أثرت بشكل مباشر على قطاع تربية الأسماك، ما دفع السلطات المحلية إلى اتخاذ قرار ردم مئات البحيرات. وأحصى رئيس مجلس المحافظة، عادل الصميدعي، الأربعاء، عدد المناطق المتضررة، موضحاً أن قرار الردم شمل نحو 13 إلى 15 منطقة، تسبب في خسائر مالية جسيمة لأصحابها، كون هذه البحيرات كانت تمثل مصدر رزق لآلاف العوائل في عموم المحافظة.
وفي حديث تابعته (المدى) أكد الصميدعي أن الهدف من القرار كان تقليل الهدر المائي في ظل استمرار الجفاف، لكنه شدد على ضرورة الانتقال إلى نظام البحيرات المغلقة الذي يقلل فقد المياه بنسبة تصل إلى 90% ويسمح بمواصلة الإنتاج بشكل مستدام.
ودعا الصميدعي إلى تقديم قروض مالية ميسّرة لدعم أصحاب البحيرات وتشجيعهم على اعتماد التقنيات الحديثة في تربية الأسماك، بما يحقق جدوى اقتصادية ويحافظ على الثروة المائية.
من جانبه، وصف الخبير البيئي علي سلمان القرار بأنه “ضربة كبيرة للثروة المائية والاقتصادية في المحافظة”، مشيراً إلى أن ردم البحيرات دون بدائل مستدامة قد يؤدي إلى فقدان آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ويزيد الضغوط على الموارد المائية المتبقية.
وأضاف سلمان لـ(المدى) أن اعتماد أنظمة الاحتواء المغلق للبحيرات يمثل الحل الأمثل في الوقت الحالي، حيث يمكن من تقليل الهدر المائي وتحقيق إنتاج مستدام حتى في ظل شح الموارد.
وأكد على أهمية توفير الدعم المالي والتقني للمزارعين، لتشجيعهم على الانتقال إلى تقنيات حديثة تتماشى مع الموارد المتاحة، وتحافظ على الثروة المائية والاقتصادية في آن واحد.
ويأتي هذا التوجه في ظل واقع مائي صعب يعيشه العراق بشكل عام، والمحافظة بشكل خاص، حيث سجلت مصادر محلية انخفاضاً كبيراً في منسوب المياه في الأنهار والبحيرات خلال الأشهر الماضية.
وقد أدى ذلك إلى اتخاذ إجراءات استثنائية، أبرزها ردم البحيرات التقليدية، ما أدى إلى تضرر مزارعين يعتمدون على هذه الموارد كمصدر رئيسي لدخلهم. وبحسب إحصاءات أولية، فإن خسائر أصحاب البحيرات قد تصل إلى ملايين الدينارات، ما ينعكس سلباً على مستوى معيشتهم ويزيد من مخاطر النزوح الداخلي بحثاً عن فرص رزق بديلة.
ويشير الخبراء إلى أن الحلول طويلة المدى تتطلب إعادة هيكلة قطاع تربية الأسماك في المحافظة، والاعتماد على تقنيات حديثة تضمن الاستخدام الأمثل للموارد المائية، بما في ذلك نظم الاحتواء المغلق، التي تعتمد على إعادة تدوير المياه والتحكم في البيئة الداخلية للبحيرة بشكل يقلل من الفاقد ويزيد الإنتاجية. كما يشددون على ضرورة تبني برامج تمويلية ميسرة لدعم المزارعين، وتقديم التوجيه الفني والتدريب على أفضل الممارسات الزراعية المائية، لضمان استمرار الإنتاج وتأمين مصدر دخل ثابت للعوائل المتضررة.
في هذا السياق، تؤكد الجهات البيئية والاقتصادية أن أزمة المياه في صلاح الدين ليست مجرد مسألة بيئية، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، ما يجعل من الضروري تبني حلول متكاملة ومستدامة توازن بين الحفاظ على الموارد المائية وتأمين فرص الرزق للعوائل المحلية. ويبدو أن مستقبل قطاع تربية الأسماك في المحافظة مرهون بسرعة الانتقال إلى تقنيات حديثة، ودعم حكومي فعّال يخفف من أثر الخسائر الاقتصادية، ويضمن استمرار الإنتاج في ظل تحديات الجفاف المستمرة.










