النجف / عبد الله علي العارضي
يشهد الموسم الزراعي الحالي في محافظة النجف فوضى غير مسبوقة نتيجة شح المياه، ما أدى إلى جفاف العديد من الأنهار وتأجيل أو إلغاء الخطط الزراعية الصيفية والشتوية، في وقت يواجه فيه الفلاحون عواقب اقتصادية واجتماعية قاسية، وسط تهديد مباشر للأمن الغذائي العراقي الذي يعتمد جزئياً على الحنطة المحلية كمصدر أساسي.
أوضح محسن عبدالأمير، رئيس الجمعيات الفلاحية في النجف، لـ«المدى» أن «الخطة الزراعية لم تُطلق حتى الآن، مما تسبب بدمار القطاع الزراعي وتهميش شريحة الفلاحين، وسلب دور الحكومة في دعم الزراعة». وأضاف أن «الحكومة بعيدة تماماً عن ملف المياه، ووزارتا الزراعة والموارد المائية لم تؤديا دورهما الحقيقي رغم وجود بعض الاتصالات الخارجية».
من جانبه، كشف مدير الموارد المائية في النجف شاكر العطوي لـ«المدى» أن «الموسم الشتوي لم يُقر بعد، ولا توجد خطة زراعية سوى ثلاثة ملايين ونصف المليون دونم تعتمد على المياه الجوفية»، داعياً إلى الالتزام بالتعليمات الخاصة بالري.
أما معاون مدير زراعة النجف الإداري، حاكم الخزرجي، فأكد لـ«المدى» أن «المديرية لم تتلق أي بيان مشترك من الموارد المائية لتحديد المساحات الزراعية حتى الآن، وتنتظر توضيحات اللجنة المشتركة الخاصة بالخطة الشتوية».
يقول الفلاح حسن الفتلاوي من مدينة المشخاب لـ«المدى»: «قوتي اليومي مما أزرعه في أرضي، والموسم الصيفي انتهى بمنع الزراعة، والآن لا نستطيع زراعة الحنطة الشتوية بسبب شح المياه. هذا أسوأ عام يمر على الفلاح العراقي، لا أستطيع شراء قرطاسية لأطفالي، والكثير من جيراني تركوا القرية بحثاً عن عمل آخر». ويشير الخبير الاقتصادي جليل اللامي لـ«المدى» إلى أن «هناك مؤشرات قوية على أن الزراعة الشتوية، وخاصة محصول الحنطة، ستُخفض بشكل كبير أو قد تُلغى في بعض المناطق بسبب ندرة الموارد المائية، ما سيؤثر على الاكتفاء الذاتي المحلي ويزيد الاعتماد على الاستيراد».
يشرح اللامي أن «إلغاء أو تقليص الزراعة الشتوية سيؤدي إلى انخفاض المعروض المحلي من القمح والدقيق، ما يرفع الأسعار ويزيد الضغوط على التموين العام والدعم الحكومي، فضلاً عن تأثيره السلبي على ميزان المدفوعات في حال زيادة الاعتماد على الاستيراد».
ويضيف أن «تراجع الإنتاج المحلي يقلل من الاحتياطيات الاستراتيجية ويزيد هشاشة الأمن الغذائي، خصوصاً أن القمح مكون رئيسي في السلة الغذائية العراقية، ما يضغط على الفئات الضعيفة ويزيد احتمالات الفقر الغذائي». يرى اللامي أن «فقدان الدخل، وتآكل رأس المال الزراعي، وارتفاع تكاليف استئناف الزراعة، وضعف الخبرة الزراعية، والاعتماد المكثف على الري الجوفي، تمثل جميعها تحديات خطيرة للفلاحين إذا استمرت الحكومة في تقليص أو إلغاء الزراعة لعدة مواسم متتالية».
يقترح الخبير الاقتصادي جليل اللامي لـ«المدى» مجموعة من الإجراءات للتخفيف من آثار الأزمة، أبرزها «الاستثمار في تقنيات الري الحديثة، ودعم الزراعة في المناطق التي تتوفر فيها المياه، وتشجيع زراعة المحاصيل المقاومة للجفاف، وبناء مخزون استراتيجي محلي من الحبوب، وتنويع موردي القمح لتثبيت الأسعار وتقليل الاعتماد على الاستيراد».
ويؤكد الفلاحون أن القضية الأكبر تكمن في حماية الموسم الزراعي وضمان استمراريته، بوصفه ركيزة أساسية للأمن الغذائي، محذرين من أن استمرار منع الزراعة يهدد معيشتهم بشكل مباشر، ويعرض قدرة العراق على تحقيق الاستقرار الغذائي للخطر في السنوات المقبلة.










