بغداد/ تميم الحسن
قُتل مرشح للانتخابات وتعرّض ثلاثة آخرون لهجمات مسلحة في أقل من أسبوع، ما يثير مخاوف من تصاعد العنف مع اقتراب موعد الاقتراع الشهر المقبل.
وأبلغ ثلاثة مرشحين (أحدهم نفى الهجوم بعد ذلك) من ثلاث محافظات ومن كتل سياسية مختلفة عن تعرّض مكاتبهم لإطلاق نار خلال الساعات الـ48 الماضية.
وأعلنت الحكومة الأسبوع الماضي تشكيل لجنة تحقيقية في حادث اغتيال أحد المرشحين شمالي بغداد.
وأفادت مصادر أمنية أمس السبت بإصابة شخصين من أفراد الحماية بجروح خلال هجوم نفذه مسلحون مجهولون على مكتب أحد المرشحين للانتخابات البرلمانية جنوبي العاصمة.
وقال المصدر إن “الهجوم وقع عند الساعة 12:15 فجر السبت، حيث أطلق مسلحون مجهولون النار باتجاه مكتب المرشح مثنى العزاوي في منطقة اليوسفية، على بُعد نحو 25 كيلومتراً جنوبي بغداد”.
وأوضح أن “الهجوم أسفر عن إصابة شخصين من أفراد الحماية بجروح، فيما لاذ المهاجمون بالفرار”.
وكتب العزاوي، وهو عضو مجلس محافظة بغداد، على صفحته في “فيسبوك”: “ندين ونشجب بشدة الاعتداء الجبان الذي استهدف مكتبنا”،
مضيفاً: “نؤكد أن هذه الأفعال الدخيلة لن تثنينا عن مواصلة خدمتنا لأهلنا، فإيماننا راسخ بأن القانون فوق الجميع، وسيُعاقب المعتدون عاجلاً أم آجلاً”.
وينتمي العزاوي إلى “تحالف عزم”، وهو ائتلاف سياسي سني يترأسه مثنى السامرائي.
وفي أول هجوم من نوعه في ميسان، كشف مكتب المرشح عبد الحسين الساعدي عن تعرّض مقره لإطلاق نار في ساعة متأخرة من الليل، مؤكداً عدم وقوع أضرار بشرية.
وذكر الساعدي في بيان أمس السبت أن “مكتبه تعرّض عند الساعة 2:25 بعد منتصف الليل لإطلاق نار مباشر»، مشيراً إلى «أن الحادث لن يثنيه عن مواصلة “مسيرته الجهادية”، معتبراً ذلك «ضريبة النجاح والعمل من أجل خدمة أبناء المحافظة”.
والساعدي أحد المرشحين على قائمة “بدر” بزعامة هادي العامري، وقد شغل في وقت سابق منصب عضو ورئيس مجلس محافظة ميسان.
إلى ذلك، نفت كتلة انتخابية في كربلاء تعرّض مرشحتها لإطلاق نار، وهو ما جرى تداوله يوم الجمعة الماضي.
وذكر تحالف “إبداع كربلاء” في بيان أنه “ينفي بشكل قاطع الأنباء التي تداولتها بعض صفحات التواصل الاجتماعي بشأن تعرّض عضو مجلس محافظة كربلاء والمرشحة عن ائتلاف الإعمار والتنمية، العلوية ماجدة العرداوي، لمحاولة اغتيال”.
وأكد التحالف، الذي يتزعمه محافظ كربلاء نصيف الخطابي المتحالف مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أن “ما حدث هو إطلاق نار مجهول المصدر في المنطقة التي كانت تتواجد فيها العرداوي، ولا علاقة له بأي استهداف شخصي”.
وجاءت هذه التطورات بعد أربعة أيام على مقتل المرشح صفاء المشهداني، عضو مجلس محافظة بغداد السابق، بانفجار عبوة ناسفة استهدفت مركبته في قضاء الطارمية شمال العاصمة، ما أسفر عن مقتله وإصابة ثلاثة من أفراد حمايته بجروح خطيرة.
وكان المشهداني مرشحاً عن تحالف “السيادة” بزعامة خميس الخنجر. وأثار اغتيال المشهداني عدة تساؤلات بشأن توقيت الحادث وخلفياته.
“تجريف الطارمية”
كان المشهداني قد اعترض في وقت سابق على “تجريف” مناطق في الطارمية وسيطرة فصائل مسلحة على المنطقة.
وفي مطلع عام 2025، رفع دعوى قضائية ضد النائب مصطفى سند إثر مطالبة الأخير بتحويل الطارمية إلى “جرف الصخر”.
وجاء في عريضة الدعوى التي قدمها المشهداني أن “الشكوى لدى القضاء العراقي جاءت على خلفية تحريض النائب سند ضد قضاء الطارمية واتهامه أهله بالإرهاب”.
وأضاف أن “النائب سند اتهم صراحة أهالي الطارمية بالإرهاب وطالب بتهجيرهم كما فُعل سابقاً في جرف النصر، رغم أن الحادث الذي وقع في الطارمية كان تفجير كدس عتاد ليس إلا”.
ودعا المشهداني رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي وصفه بـ”الأخ الكبير”، إلى “منع تمرير هذه الاتهامات ضد الطارمية، ومحاسبة النائب مصطفى سند وغيره ممن حاول التحريض ضد القضاء”.
ولفت إلى أن “توقيت هذا التحريض يأتي قبيل الانتخابات البرلمانية بهدف إثارة الفتنة الطائفية لتحقيق مكاسب انتخابية، وهو سيناريو اعتاد عليه العراقيون قبل كل اقتراع”.
وكانت خلية الإعلام الأمني قد أعلنت في كانون الثاني 2025 أن انفجار الطارمية نجم عن تفجير كدس عتاد، وأسفر عن مقتل ثلاثة ضباط وإصابة أربعة جنود.
وعن حادث اغتيال المشهداني، قالت قيادة عمليات بغداد إن “بعد منتصف ليلة الثلاثاء على الأربعاء 15 تشرين الأول 2025، انفجرت عبوة لاصقة أسفل عجلة نوع (تاهو) تعود لعضو مجلس محافظة بغداد صفاء المشهداني، في حي الضباط ضمن قضاء الطارمية شمالي العاصمة”.
وأضاف البيان أن “الانفجار أسفر عن استشهاد المشهداني وإصابة أربعة آخرين كانوا معه داخل السيارة”، مشيراً إلى أن “رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة وجّه بتشكيل فريق عمل جنائي وفني مشترك، ولجنة تحقيقية عليا بإشراف مباشر من قائد عمليات بغداد لكشف ملابسات الحادث”.
بالعراقي: “حوادث طبيعية”!
اعتبر الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي غالب الدعمي أن حوادث الاغتيالات والعنف الانتخابي في العراق “جزء من الصراع السياسي والاجتماعي القائم في البلاد”.
وقال لـ (المدى) إن “الطبقة السياسية وزعماء الأحزاب الذين يهيمنون على المشهد هم من يُنتجون الفكر العنيف، وهو ما ينعكس على ممثليهم ومرشحيهم في الانتخابات”.
وأضاف أن بعض تلك الجهات “قد تُرسل شخصاً لإطلاق النار على مكتب مرشح، أو تُهاجم مجموعة مسلحة مقر مرشح في محافظة معينة، أو يُغتال مرشح قوي في منطقة تخضع لحزب آخر، أو يُتهم من يتحدث عن مطالب مكوّن أو فئة معينة بالإرهاب ثم يُصفّى لاحقاً”.
ووصف الدعمي هذه المشاهد بأنها “أصبحت طبيعية في العراق”، مستدركاً بالقول: “لكنها تبقى أمراً شاذاً إذا ما قورنت بما يجري في الدول الديمقراطية المتحضرة”، مشيراً إلى أن ما يحدث “قد يُنذر بأيام سيئة قادمة”.










