المدى / عمّار عبد الخالق
تعيش أكثـر من ٣٠٠ عائلة تسكن المدينة الكرفانية الثانية قرب بئر ٢٠ النفطي في قضاء الزبير حالةً من القلق والخوف اليومي بعد أن تحوّل مصدر المياه الوحيد الذي تعتمد عليه هذه العائلات إلى مادةٍ زيتيةٍ ملوثة، بحسب السكان ومختار المنطقة. هذه التلوثات ناجمة عن قرب المنطقة من آبار النفط وعمليات الاستخراج المستمرة، ما يضع حياة الأهالي في دائرة الخطر المباشر.
محمد حسين، مختار المنطقة، قال في حديثه لـ«المدى» إن العائلات التي تمّ تعويضها بكرفانات بعد إزالة تجاوزاتها من مناطق مختلفة داخل القضاء، تعيش اليوم وسط العطش والتلوث وغياب أيّ تدخلٍ فعلي من الجهات المعنية لمعالجة الأزمة التي تهدد حياتهم يوميًا.
وأضاف أن مصدر المياه الذي يصلهم يوميًا أصبح محمّلًا بمواد زيتية تتسرّب من عمليات الاستخراج النفطي القريبة، ما يحوّل الماء المالح إلى مادة ملوثة بالزيوت والملوثات النفطية، ويعرّض السكان لمخاطر صحية جسيمة تشمل أمراض الجهاز الهضمي والجلد، وحتى مضاعفاتٍ مزمنةٍ على المدى الطويل.
ورغم محاولات الأهالي المتكرّرة للتواصل مع الجهات الرسمية، يؤكد السكان أن جميع المطالبات اصطدمت بالصمت والتجاهل، فلم يتحرك أيّ مسؤولٍ لإنقاذهم أو تقديم حلولٍ عاجلة، مشيرين إلى أن الوضع أصبح يشكّل يوميًا تهديدًا مباشرًا للأطفال وكبار السن الذين يُعدّون الأكثر عرضةً للإصابة بالأمراض نتيجة تلوث المياه.
من جانبه، أشار قائممقام قضاء الزبير عباس ماهر في حديثٍ مطوّل إلى أن الوضع في المدينة الكرفانية الثانية يتطلّب تدخّلًا عاجلًا من الجهات البيئية والصحية، وأن المحافظة على صحة السكان أولويةٌ قصوى. وقال: «نحن على علمٍ بتقارير التلوث النفطي للمياه ونعمل على دراسة الحلول الممكنة بالتنسيق مع شركات النفط والجهات الحكومية المختصة».
وأضاف ماهر أن هناك صعوبةً فنيةً في توفير مصادر مياهٍ بديلةٍ للمنطقة بسبب قربها من آبار النفط، لكن الإدارة المحلية تسعى لتأمين صهاريج مياهٍ صالحةٍ للشرب مؤقتًا إلى حين إيجاد حلولٍ مستدامةٍ تضمن سلامة المواطنين وتوقف تلوث المياه.
وأكد القائممقام أن الموضوع لم يعد مجرّد شكوى محلية، بل أصبح أزمةً بيئيةً وصحيةً تحتاج إلى خطة طوارئ متكاملة تشمل المتابعة اليومية ونشر فرقٍ رقابيةٍ لفحص المياه بشكلٍ دوري.
ويشير خبراء البيئة إلى أن التلوث النفطي في المناطق السكنية القريبة من الآبار يمثّل خطرًا طويل المدى، ليس فقط على صحة السكان، بل على التربة والنظام البيئي المحيط، ما قد يؤدي إلى تأثيراتٍ متسلسلةٍ تشمل تلوث الهواء والمحاصيل الزراعية القريبة، إضافةً إلى فقدان مصادر رزقٍ تعتمد على الموارد الطبيعية.
وقال محمد مشتاق، خبيرٌ نفطيٌّ محلّي، في حديثه لـ«المدى» إن المشكلة في المدينة الكرفانية الثانية ليست مجرّد تلوثٍ سطحي، بل هي تراكمٌ للزيوت والمواد الكيميائية الناتجة عن عمليات الاستخراج والإنتاج النفطي على مدى سنواتٍ طويلة، وهذه المواد تدخل إلى مصادر المياه الجوفية وتغيّر تركيبها الكيميائي، ما يجعل معالجة المياه التقليدية غير فعالة.
وأضاف أن الحل الأمثل يتطلّب تنفيذ آليات فصلٍ ومعالجةٍ متخصّصة، مع مراقبةٍ مستمرةٍ للمياه وفحصٍ دوريٍّ لمستويات الملوثات. وأشار إلى أن أيّ تأخيرٍ في التدخّل قد يؤدي إلى مشاكل صحيةٍ أكبر ويزيد من صعوبة استعادة جودة المياه.










