TOP

جريدة المدى > عام > صور تذكارية: بين تراجيديا الحرب وكوميديا الجنرالات

صور تذكارية: بين تراجيديا الحرب وكوميديا الجنرالات

نشر في: 20 أكتوبر, 2025: 12:02 ص

حيدر عودة
قبل أكثر من ثلاث سنوات تعرفت على الفنان الشاب «علي كريم» في قاعة سلام عمر، وخضنا أنا وإياه والفنان سلام الكثير من الحوارات الجادة في مواضيع الفن المعاصر والمشهد التشكيلي العراقي. وكنت اتواجد بشكل دائم في المكان، وأتابع عن كثب تعامل الفنان سلام عمر مع الفنانين الشباب وتفانيه النبيل معهم من دون أي دعم، سواء حكومي أو غيره، في سبيل تقديم تجاربهم على نحو أفضل. وخلال هذه الفترة استطاع سلام أن يقدم ثلاث تجارب ممتازة في معارض شخصية أولى لهم: (محمد عبد الوصي، محمد سهيل، علي كريم) مثلت جيل من الفنانين الشباب الباحثين عن تأطير رؤاهم وتكريس وعيهم وفهم مشاعرهم وقلقهم ومخاوفهم إزاء واقع متناقض وصادم في مظهره من جهة ومشهد فني غائب عن الواقع نفسه من جهة أخرى.
في المعرض الأخير الذي قدمته قاعة سلام عمر، والذي حمل عنوان «صور تذكارية» للفنان علي كريم، كان الموضوع المحلي حاضرا بقوة، خاصة للذين عرفوا الحروب ونالوا من هباتها وحفرت فيهم ندوبها الأبدية- فقد تناول في -صوره التذكارية- صورا لحشود جنرالات وقادة عسكريين كانوا يتصدرون أخبار الحروب الطويلة، المدمرة التي عاشها العراق، بأسلوب تهكمي عبر إسلوب تعبيري يقترب من الأسلوب الوحشي بألوان جريئة، وخطوط حادة، وكاريكاتورية التصوير لتحقيق رؤية ساخرة. فجعل من الجنرالات يقفون إلى بعضهم، كأنهم أمام كاميرا في لقطة جماعية ابتكرها الفنان نفسه، أو كأنه جمع ما تبقى من الصور مع بعضها، فأتت بعضها مقلوبة أو مقطوعة، تزينهم نياشين لا قيمة لها سوى أنها تمثل تذكارات لجنرالات مغفلين كان يمنحها لهم كبير الحمقى.
لم تغب صورة الدكتاتور المحلي عن لوحات علي كريم، مصحوبا بدمى جنرالاته التي كان يستعرضهم في حفلات انتصاراته الوهمية. فأضفت على المعرض روح التهكم مشحونا بالذكريات المرّة والقاسية التي يحملها العراقيون. ففي كل صورة ثمة ظلال للضحايا تختفي في عمقها غير المرئي، ضحايا منسيين ومغدورين، مما منح المعرض تفاعلا خاصا وجو ا دراميا عكسته اللوحات.
فكرة البطل تعيدنا لمعنى أن نكون بحاجة دائمة لأبطال يملؤون حكاياتنا ومعاركنا وخيالنا بالبطولات! ولكن هل فعلا يحتاج الإنسان لبطل ما؟ ربما من هنا تدعونا لوحات المعرض لإعادة التفكير في فكرة البطل وصورته الضاغطة على يومياتنا وتاريخنا وعلى معاييرنا وأحكامنا! وهذه كانت إنتباهة ذكية من الفنان الذي دفع صورة البطل إلى ساحة الجدل. فنحن محاصرون بصور أبطال لم نخترهم ولم نفهم بطولاتهم. لذلك حاول الفنان مزج صور البطل المستوحى من البطل الرياضي مثلا، فجعل بعض الشخصيات يرتدون قفازات ملاكمة وروب الرياضيين، تأكيدا على فكرة البطل الشائعة في مخيلتنا. يقول المخرج المسرحي برتولد بريخت «بئس الأمة التي تحتاج لأبطال» وهذا بالضبط ما نلمسه في موضوع هذا المعرض وجوهر فكرته. ففي الأسواق الشعبية تنتهي الحكايات والبطولات الوهمية، وعلى الأرصفة تباع النياشين والأوسمة والميداليات بأثمنة بخسة تليق بانتصارات وهمية أيضا؛ بينما يغيب الأبطال الحقيقيون في الأقبية السرية والقبور المجهولة ومتاحف النسيان. فليس كل بطولة حقيقة ولا كل نياشين تشع أبدا ولا كل صورة تُخلّد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram