TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: أقسى أنواع الظلم

العمود الثامن: أقسى أنواع الظلم

نشر في: 20 أكتوبر, 2025: 12:07 ص

 علي حسين

في الكتاب الممتع الذي كتبته كاترين موريس عن مشاغب القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين الباحث الوسيم والعبقري المتميز، وتضيف: أنهما بعد أن أصبحا صديقين خلال العامين 1943- 1944 ذابت الفوارق بينهما تماماً.
ظلّ كامو يؤمن بأن متعة الحياة هي في تحدي الصعاب، فيما أصرَّ سارتر على أن حرية سيزيف مثل صخرته صماء "لست حراً أبداً إلا في المواقف التي أتخذها".
فأين هي المشكلة.. كان كامو يرى أن الإنسان يشبه سيزيف بطل الأسطورة الإغريقية التي تقول: إن سيزيف محكوم عليه بأن يحمل صخرة كبيرة إلى أعلى قمة جبل حتى إذا كاد يُدرك القمة ، تتغلب الصخرة عليه فتخور قواه لتعود الصخرة من جديد إلى السفح، عندها يبدأ سيزيف – الإنسان – رحلة الصعود ثانية وثالثة ورابعة وإلى ما لا نهاية.. إن قيمة الحياة عند كامو هي في رفع الصخرة.
فسيزيف يعلم أنه محكوم عليه، وأن هذا الحكم لا رجعة فيه، ولكنه مع ذلك يرفع الحجر ويلاحقه إذا هوى، إنه يقاوم المستحيل، ويعلم انه يقاوم بلا أمل، ومع ذلك يستمر في مواجهة المستحيل، فيما رؤية سارتر تبدو أكثر ميلاً لمبدأ الاختيار: أنت حــر وإذن فلتختر." سارتر يفتش عن السعادة وكامو مهموم بالعدالة ، وكان مأخذ كامو على سارتر أنه يرفض الواقع عبر معادلة "لا ضحايا ولا جلادون".
يكتب سارتر في رده على تمرُّد كامو، هل تعرف ما هو أقسى أنواع الظلم؟ أن تعدو لكي تبقى مكانك.. فعندما تخسر ما أنت فيه تكون قد تخلـَّفت إلى الوراء، والوراء لا حدود له.
ويردّ كامو: "لقد ترعرعنا على قرع طبول الحرب وتابعنا منذ ذلك الحين حكاية القتل والجور والعنف إلا أن التشاؤم الحقيقي كالذي نراه اليوم يكمن في استغلال هذه الوحشية والخزي في قهر الآخرين، لم أكن أنشد غير سبيل واحد لتجاوز العنف بكل أشكاله".
في مدن اللاعدالة والقهر نعيش مع ساسة يحوّلون الحق إلى ضلالة والحياة إلى مهزلة لا تنتهي فصولها حيث تغيب العدالة وتصبح الديمقراطية مجرد واجهة لسرقة أحلام الناس ومستقبلهم، لتتحول إلى شعارات وخطب .. نستعيد ما جاء في بطون الكتب فنرى كيف تتقدم الأمم ونحن قعود، وإذا قمنا فلكي نقاتل بعضنا البعض، دائماً محمّلين بأطنان من الأكاذيب وأكوام الخطب ولا شيء سوى السبات في الجهل والتخلّف والطائفية!
في الصفحة الأخيرة من رواية القدر البشري يكتب اندريه مالرو على لسان بطلها جيسور:"لا بد من تسعة أشهر لصنع إنسان ويكفي يوم واحد لقتله" .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram