متابعة / المدى
بعد عقدين على إقراره، يتحول قانون إعادة المفصولين السياسيين من أداة لإنصاف المتضررين من النظام السابق إلى ملف يثير جدلاً واسعًا في العراق، مع تضخم أعداد المشمولين به وغياب أي سقف زمني لإنهائه، وسط تحذيرات من أنه أصبح أحد أبواب الفساد واستنزاف المال العام.
منذ عام 2005، فتح البرلمان العراقي الباب أمام عودة من فُصلوا لأسباب سياسية أو عرقية أو مذهبية إلى وظائفهم أو شمولهم بالتقاعد. ورغم مرور عشرين عامًا، ما تزال اللجنة المعنية بهذا الملف تستقبل طلبات جديدة، بعضها يعود لأشخاص وُلدوا في أواخر الثمانينيات، أي بعد سقوط النظام السابق.
مسؤول في دائرة شؤون المفصولين السياسيين أكد أن «هؤلاء لا يُعتبرون مفصولين بالمعنى المباشر، لكنهم يُدرجون ضمن المشمولين بالاستحقاق استنادًا إلى صلة القرابة حتى الدرجة الرابعة»، وهو ما يسمح به القانون.
تشير البيانات الرسمية إلى وجود أكثر من 260 ألف موظف ومتقاعد مشمولين بالقانون، إضافة إلى 125 ألف معاملة قيد الإنجاز، مع توقعات بتجاوز العدد الإجمالي 400 ألف مستفيد هذا العام. ويصف المحلل السياسي مجاشع التميمي الملف بأنه «عبء خطير على الموازنة العامة وباب واسع للفساد والمحاصصة»، متسائلًا عن منطق استمرار العمل به في عام 2025.
ويُعد هذا التوسع في التعيينات من أبرز أسباب تضخم الرواتب الحكومية التي بلغت 90 تريليون دينار العام الماضي، مقارنة بـ60 تريليون في السابق، بحسب تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. ويرى التميمي أن «إعادة المفصولين دون معايير واضحة ليست عدالة، بل تكريس لنهج الفساد الذي يقيد مستقبل الأجيال المقبلة».
في مطلع تشرين الأول الجاري، أطلقت مؤسسة الشهداء استمارة جديدة خاصة بذوي الشهداء من الدرجتين الأولى والثانية، ما أثار احتجاجات بين المشمولين السابقين الذين طالبوا بتوسيع نطاق الاستحقاق. وبينما تضم مجموعات التواصل الخاصة بهم شبانًا في الثلاثينيات يقدمون أنفسهم كمفصولين سياسيين، يثير الأمر تساؤلات حول مدى مشروعية استمرار هذه الامتيازات.
ويحذر المحلل السياسي غالب الدعمي من تأثير امتيازات المفصولين على التعليم، إذ يُمنح المشمولون بالقانون استثناءات في القبول بالدراسات العليا وإعفاء من امتحانات الكفاءة، مما يضعف المعايير الأكاديمية. وأضاف أن «الكثير من الملفات دخلها أشخاص غير مستحقين، وبعضهم متورطون بجرائم أو أعمال إرهابية، ما جعل القانون بابًا لهدر المال العام وتكريس الفساد السياسي».
كما يؤكد مصدر مطّلع أن «بعض المفصولين السابقين لأسباب جنائية كسرقة أو تلاعب بالمال العام، تمكنوا من تزوير وثائقهم والعودة إلى الوظيفة ضمن القانون»، مشيرًا إلى أن «عدد المفصولين الحقيقيين ربما لا يتجاوز ربع العدد الحالي».
في المقابل، تقول دائرة شؤون المفصولين السياسيين إنها «تعيد سنويًا نحو 4 آلاف موظف، وتعيّن 6 آلاف جديد، وتحيل إلى التقاعد 3 آلاف آخرين»، مؤكدة أن القانون يشمل المتضررين وأقاربهم حتى الدرجة الرابعة لأسباب سياسية أو مذهبية.
غير أن هذه الأرقام لا تُقابل بتقارير مالية توضح كلفة الرواتب أو المبالغ المخصصة للدرجات الجديدة، فيما لم تُخصص أي جلسة برلمانية علنية لمناقشة الملف رغم آثاره المالية الكبيرة. وتستمر لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين بالمطالبة بتوسيع الشمول واستحداث درجات إضافية بدلًا من مراجعة القانون أو تحديد سقف زمني لإغلاقه.
وتشير تقارير صادرة عن مؤسسات دولية، بينها معهد «تشاتام هاوس»، إلى أن التعيينات السياسية الواسعة تُعد من أبرز مظاهر الفساد الممأسس في العراق، إذ تعرقل أي إصلاح إداري أو اقتصادي.
وتظهر بيانات الدائرة أن التعيينات الجديدة تتجاوز الإحالات إلى التقاعد بأكثر من الضعف، إذ سجل تشرين الأول ألف تعيين جديد، وأيلول 1100، وتموز 1900، مقابل 523 إحالة في آب و569 في حزيران، و1004 تعيينات في آذار.










