عمر الشاهر
بينما تتزايد التحذيرات من احتمال اندلاع مواجهة جديدة بين إيران وإسرائيل، تتعاظم مخاوف العراقيين من أن يجد بلدهم نفسه منجرفًا مرة أخرى في صراع مسلح لا مصلحة له فيه.
منذ عقود، دفع العراق أثمانًا باهظة نتيجة الحروب الخارجية والنزاعات الداخلية، من الحرب الطويلة مع إيران في الثمانينيات، إلى حرب الخليج وما تبعها من حصار قاسٍ في التسعينيات، وصولًا إلى إسقاط النظام السابق عام 2003 وما أعقبه من انزلاق البلاد إلى دوامة العنف والانقسامات. هذه التجارب تركت أثرًا عميقًا في الوعي الجمعي العراقي: فكل استقرار قصير الأمد يولّد خشية من أن يتبعه نزاع جديد.
لكن ما شهده العراق مؤخرًا كان نوعًا مختلفًا من التهديد؛ إذ وجد نفسه متأثرًا بشكل مباشر بصراع لم يكن طرفًا فيه. خلال حرب الأيام الاثني عشر الأخيرة، أصيب اقتصاده الداخلي بالشلل، وأُغلق مجاله الجوي بالكامل، وتضررت حياة مواطنيه بشكل ملموس. ورغم أن الأنظار تركزت على غزة ولبنان، فإن العراق دفع هو الآخر ثمنًا قاسيًا كضحية بريئة لتداعيات تلك الحرب.
الأهم أن هذه الحرب أكدت أن الخطر الحقيقي على العراق ليس في ضعف قدراته الذاتية، بل في وجود جماعات مسلحة مرتبطة بالخارج، تعمل بمعزل عن الدولة وتحوّل أراضيه إلى ساحة محتملة لتصفية الحسابات الإقليمية. إن استمرار هذه الجماعات يهدد سيادة العراق، ويجعل تجاهل مصالحه من قبل الأطراف المتحاربة أمرًا واقعًا.
لقد أثار تصريح أحد أعضاء البرلمان العراقي مؤخرا بأن “من حق إيران أن تضرب العراق، لانه قدم تسهيلات لإسرائيل خلال حرب الأيام ال 12 موجة من التساؤلات بشأن مدى فهم العراقيين أنفسهم لفكرة السيادة ومضامينها، اذ أعاد إلى الأذهان سلسلة من المواقف التي شهدت تفضيل بعض العراقيين مصالح بلدان أخرى على مصلحة بلدهم.
لقد أثبتت التجارب أن السيادة ليست ترفًا سياسيًا، بل شرطًا وجوديًا لأمن العراق واقتصاده واستقراره. وما لم يُعلن العراقيون بوضوح أن سيادة بلدهم خط أحمر، فلن يتمكنوا من تجنّب الحروب المقبلة. هذه الحقيقة يجب أن تكون محل إجماع داخلي قبل أن تُفهم من الخارج.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن للعراق أن يمضي منفردًا في طريق استعادة سيادته. فإلى جانب الجهد الداخلي، يمتلك العراق شبكة واسعة من العلاقات والصداقات الدولية، يمكن أن تشكل رافعة مهمة لدعم مساعيه في تحييد التوترات الإقليمية وتثبيت موقعه كدولة محايدة. إن حسن استخدام هذه الأوراق الدبلوماسية هو جزء من الاستراتيجية، لكنه لا يغني عن المهمة الأساسية: استعادة القرار الوطني وإخضاع السلاح لسلطة الدولة وحدها.
إن العراق يقف اليوم أمام خيار تاريخي: إمّا أن يرسّخ سيادته الكاملة كدولة مستقلة تحمي أرضها وسمائها، أو أن يبقى رهينة الجماعات المسلحة وصراعات الآخرين. والاختيار يبدأ من الداخل، لكنه يحتاج أيضًا إلى توظيف الدعم الدولي بحكمة، بما يضمن أن تكون سيادة العراق خطًا أحمر لا يُسمح بتجاوزه.










