ميسان / مهدي الساعدي
يبدو أن أزمة الدفعة (24) من خريجي الكليات الطبية لم تلقَ انفراجًا بسبب عدم وضع الحلول المناسبة لمعالجتها، بعد أن مرّ على تخرجهم ما يقارب سنةً ونيفًا، مما تسبب بزيادة الضغط على زملائهم الذين سبقوهم بدورة أو دورتين من المعيّنين على ملاك وزارة الصحة، كونهم تُركوا في ساحة المواجهة في الخطوط الأولى لمعالجة الحالات الطبية الطارئة دون رفدهم أو تعزيزهم بدماء جديدة كما جرت عليه العادة والسنة الإدارية بالنسبة لخريجي الكليات الطبية.
لا يزال الإضراب الذي أعلن عنه الأطباء المقيمون والمقيمون الدوريون في عموم المؤسسات الصحية والمستشفيات في مختلف المحافظات العراقية قائمًا، بعد أن أعلنوا عنه منذ أيام بسبب الضغط الكبير الذي يواجهونه في العمل.
وبدأ السيناريو يزداد سخونة بعد كل شهر تأخير عن التعيين المركزي لخريجي الكليات الطبية، يصاحبه خضوع الأطباء الأسبق لقانون التدرج الطبي بنقلهم إلى القرى والأرياف لاستكمال مشوارهم الطويل، مما جعل المؤسسات تعاني نقصًا ملحوظًا في الكوادر الطبية.
ضغط العمل
أكد أطباء من المقيمين الدوريين، وهي التسمية التي تُطلق على الطبيب في أولى سنوات تعيينه لتليها ألقاب أخرى بعد تدرجاته مثل «مقيم أقدم» ثم «ممارس» وغيرها، أن ضغط العمل عليهم أصبح لا يُحتمل. وفي هذا الصدد بيّنت الطبيبة آية باسم لصحيفة (المدى) أن «الإضراب هو رد الفعل المناسب لكي يعرف المواطن أن الخلل يكمن في ضعف الخدمات المقدَّمة من قبل الحكومة، وإلا فمن المستحيل تكليف طبيب بالعمل لساعات طويلة في الشهر الواحد وهو مطالب بالعمل بنفس الكفاءة».
وأضافت الطبيبة آية باسم: «بعض المناطق وصلت ساعات عمل الطبيب فيها بين 300 إلى 400 ساعة في الشهر الواحد، أي ما يقارب 16 ساعة تقريبًا في اليوم الواحد، وذلك لتعويض النقص الكبير في أعداد الأطباء بسبب خضوعهم لقانون التدرج الطبي وعدم تعيين وجبات جديدة».
ونوّهت الطبيبة آية: «كان من المفترض أن تكون عدد الساعات التي يعمل خلالها الطبيب لا تتجاوز 160 ساعة في الشهر، وهذا يعني أن الطبيب الآن يعمل أضعاف ساعات عمله الاعتيادي، ولم تخرج الجهات الحكومية المختصة بأي حل لإنهاء تلك المعاناة».
تزاحم المرضى
تناقلت صفحات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة مقاطع فيديو تُظهر تزاحم المواطنين في طوارئ إحدى مستشفيات ميسان بسبب الإضراب الذي أعلنه الأطباء. وأوضح مواطنون ميسانيون أن «طوارئ مستشفى الحكيم التعليمي في ميسان، والذي يُعدّ مستشفى المدينة المركزي، لا يشغله سوى طبيب واحد مقابل توافد عشرات المرضى».
وبيّن علي شامل لصحيفة (المدى): «الطبيب بشر أيضًا يشعر بالتعب والملل نتيجة ساعات عمله الطويلة، خصوصًا إذا كان وحده، وهذا ما حدث اليوم، حيث لاحظت كثرة المرضى ووجود طبيب واحد، والجميع يتألم ويتأوه، وهو يعمل جاهدًا لكنه لا يستطيع أن ينجز ما يُناط به من مهام كانت تُوزّع على خمسة أو ستة أطباء في طوارئ المستشفى».
ورغم إعلان الأطباء أن إضرابهم سيكون جزئيًا لكي لا تتوقف الردهات الحرجة والطوارئ عن تقديم خدماتها الطبية، إلا أن نقص الكوادر الطبية بدا واضحًا جدًا في المستشفيات والمؤسسات الحكومية.
إضراب من نوع آخر
اشترك العديد من الأطباء في مداخلات مع المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي لبيان أسباب إضرابهم بعد أن أخذ الموضوع يُثار بشكل مستمر، وفي الوقت ذاته يحاول الأطباء والخريجون من دفعة 2024 توسيع قاعدة الضغط والمتمثلة بإشراك المواطن العادي فيها.
وفي هذا المجال، يقول الطبيب سيف عادل لصحيفة (المدى): «لم يكن تعليق العمل أو الإضراب من أجل المطالبة بزيادة في المرتب أو تحسين وضع التخصيصات المالية كما يحدث في الغالب، بل جاء ذلك من أجل المطالبة بالحقوق المشروعة، ومنها تحريك عجلة التدرج الطبي المتعلقة بتعيين دفعة 2024 لدعم أطباء الدفعة التي سبقتها، دفعة 2023، كون أعدادهم قليلة أصلًا، وفسح المجال أمام الأطباء من دفعة 2022 لإكمال مشوارهم الطبي من تدرج ودراسة تخصصية وغيرها».
إلى ذلك، أعلنت ممثلية أطباء العراق يوم السبت الماضي عبر بيان اطلعت عليه صحيفة (المدى) عن «بدء الأطباء المقيمين الدوريين وأطباء التدرج الإضراب الشامل والمفتوح عن جميع الردهات والطوارئ في المستشفيات لحين تحقيق مطالبهم التي رفعوها وطالبوا بتحقيقها».
وعلى الرغم من إعلان الأطباء في مختلف المحافظات والمدن العراقية الإضراب وتعليق عملهم الجزئي في مؤسساتهم الصحية، ورصد تزاحم المواطنين والمرضى في ردهات طوارئ المستشفيات، نقلت مصادر إعلامية مطلعة نفي وزارة الصحة وجود أي تلكؤ في جميع مؤسساتها، وأن موظفيها يعملون بشكل طبيعي.
ونقلت تلك المصادر تصريحات المتحدث باسم وزارة الصحة خلال بيان تابعته صحيفة (المدى) جاء فيه: «أنفي وجود أي تلكؤ أو تأخير في عمل جميع مؤسسات وزارة الصحة، وأؤكد أن العمل في جميع مفاصل الوزارة؛ من مراكز رعاية صحية أولية، ومستشفيات بمختلف تخصصاتها، ومراكز تأهيل ومراكز طبية تخصصية، يسير بشكل طبيعي».
وأشار إلى أن «جميع موظفي الوزارة من مختلف التخصصات الطبية والتمريضية والصحية والإدارية وغيرهم يعملون بشكل طبيعي وفق الضوابط والسياقات الحكومية المعتمدة، ويقدّمون مختلف الخدمات لمراجعي مؤسساتنا الكرام».
إلا أن نقابة الأطباء تنبّهت إلى تداعيات موضوع تأخير تعيين المتخرجين من الكليات الطبية خلال دعوتها وزارة الصحة إلى الإسراع بتعيين خريجي دفعة 2024، عبر وثيقة وجهتها إلى الوزارة يعود تاريخها إلى شهر آب (أغسطس) المنصرم من العام الحالي.
وبيّنت خلال بيانها الذي تابعته صحيفة (المدى) أن «استمرار تأخر التعيينات يمثل هدرًا في عمر الأطباء المهني، ويجب معالجة هذا الملف بشكل عاجل بما يضمن انسيابية مراحل التدرج الطبي».
ولحين إكمال الإجراءات المتعلقة بالتخصيص المالي من قبل وزارة المالية بعد موافقة رئيس الوزراء ووزارة الصحة وتعيين خريجي الكليات الطبية من دفعة 2024 بما يسهم في تخفيف الضغط على الأطباء المقيمين الحاليين، سيبقى الوضع الصحي غير مستقر ويعاني تلكؤات كثيرة يدفع ثمنها المواطن وحده.










