بغداد/ سيزر جارو
تشهد الساحة المسيحية في العراق حالة تصاعدية من التوتر السياسي والمؤسسي بين الكنيسة الكلدانية وبعض الكنائس والهيئات المسيحية من جهة، وحركة بابليون المدعومة بأجنحة مسلّحة من جهة أخرى.
الخلاف، الذي اتسع ليشمل ممارسات انتخابية، وتغييرات إدارية في مناطق سهل نينوى، واتّهامات بوجود فصائل مسلّحة تحاول فرض النفوذ، أصبح أحد أبرز ملفات تمثيل الأقليات في العامين الأخيرين.
في تصريحات رسمية، حذّر بطريرك الكنيسة الكلدانية، الكاردينال لويس رفائيل ساكو، من محاولات «تطويع» أصوات المسيحيين واستخدام مكوّنهم كوقود لأجندات خارجية أو لفصائل مسلّحة، ودعا الجماعة المسيحية إلى رفض مرشحين «مشتبه بفسادهم» أو من يمثلون لوبيات مسلّحة، على حدّ تعبيره.
تصريحه الأخير تكرّر خلال لقاءاته مع سفراء أجانب، وحملته وسائل إعلام محلية ودولية، حيث قال إنّ «التمثيل المسيحي يجب أن ينبع من إرادة أبناء المكوّن، لا من فصائل ترفع شعارات مسيحية لتغطية ارتباطاتها».
على الجهة المقابلة، نفت كتلة «بابليون» وقيادات مرتبطة بها مشاركتها في بعض الخلافات أو الزعم بأنها تستأثر بالتمثيل المسيحي، مؤكدة احترامها للكنيسة ومؤكدة شرعيتها السياسية كقوة تمثيلية.
لكن تقارير ميدانية ومتابعات بحثية تشير إلى أنّ جناحها المسلّح (مجموعات مثل «لواء بابليون/ كتائب بابليون») اعتمد توظيف عناصر غير مسيحية في صفوفه، واستغلّ موارد محلية لتثبيت نفوذه في بلدات سهل نينوى خلال السنوات الماضية.
يرى المحلّل الأمني مايكل نايتس، من معهد واشنطن، أنّ مشكلة التمثيل المسيحي في العراق ليست نزاعًا طائفيًا داخليًا فحسب، بل تتداخل فيها حسابات قوى إقليمية وإمكانيات الفصائل التي تسعى لتمرير نواب وموظفين مقرّبين يسهلون تغلغلها في مؤسسات الدولة المدنية.
ويشير إلى أنّ نمط «الاستحواذ» على المقاعد المسيحية عبر آليات قضائية وإدارية وعمليات تصويت مشكوك فيها صار سمةً في انتخابات محلية سابقة.
وبحسب مصدر خاص تحدّث لـ(المدى) ورفض الكشف عن اسمه، فإنّ «الكنيسة قد رصدت حالات استبدال رؤساء مجالس محلية، وتغيير قيادات تقليدية في مجلس المحافظة لصالح مرشحين موالين لحركة بابليون، وهو ما أثار سخطًا بين العامة وكنائس أخرى غير الكنيسة الكلدانية، حيث اعتبروه «انتهاكًا لحقّ التمثيل» وتهديدًا لاستقلالية القرار المجتمعي».
كما وثّقت تقارير أنّ بعض الفصائل المُسجَّلة رسميًا في إطار الحشد الشعبي استخدمت هويات «مسيحية» ظاهريًا لخلق تغطية شرعية لأنشطتها السياسية والأمنية.
المراقبون القانونيون والسياسيون يدعون إلى حلول مؤسسية: مراجعة آليات الكوتا (المقاعد المخصصة للأقليات)، وضمان رقابة قضائية مستقلة على الترشّح والانتخابات المحلية في المناطق المسيحية، وإجراءات أمنية لرفع سلاح الفصائل المسجَّلة خارج إطار القانون.
أما المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية فنصحت بفتح تحقيقات شفافة في ادعاءات شراء أصوات وتجنيد غير مسيحيين تحت غطاء وحدات «مسيحية»، للحفاظ على حقّ الأقليات في التمثيل الحقيقي.
وفي حديث لـ(المدى)، وصف المحلّل السياسي فارس يوخنا، وهو باحث في شؤون الأقليات بجامعة صلاح الدين، أنّ «سهل نينوى اليوم يعكس حالة احتكاك مباشرة بين سلطتين: سلطة دينية تحاول الحفاظ على هوية مسيحية تاريخية، وسلطة سياسية – عسكرية تريد ترجمة حضورها الانتخابي إلى نفوذ ميداني».
ويضيف أنّ «بعض القرى شهدت استبدال إدارات محلية بمرشحين مدعومين من بابليون، ما أدى إلى تصاعد توترات اجتماعية واتهامات بالتخويف الانتخابي».
كما وصفها الناشط الآشوري يوسف عزيز في حديثه لـ(المدى): «يحاول بعض الفاعلين الجدد اليوم أن يختبروا حظّهم في قيادة ما تبقّى من الشعب الآشوري «المسيحي» في العراق، بعد أن سبقتهم إلى ذلك أحزاب وجهات أخرى كالحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) وحزب بيت نهرين وغيرها، غير أنّ جميع تلك التجارب أخفقت، لأنّ جوهر الأزمة لا يكمن في هذه القوى بحدّ ذاتها، بل في بنية النظام السياسي العراقي، وما يتضمّنه من قوانين معلّقة أو جامدة تعيق أيّ إصلاح حقيقي».
وأردف: «وبناءً على ذلك، فإنّ الصراع القائم بين الكنيسة وحركة بابليون هو صراعٌ سياسيّ في جوهره، لا يمتّ إلى الدين أو إلى هموم الشعب بصلة».
إلى ذلك، أفاد شهود محليون في حديث لـ(المدى) بأنّ «الخلافات حول توزيع المساعدات والإعمار ساهمت في زيادة الشرخ، إذ تتهم أطراف كنسية حركة بابليون بالتحكم في ملفات التعويضات وإعادة الإعمار عبر قنوات تابعة للحشد الشعبي»،
فيما تردّ الحركة بأنّ «هذه الاتهامات حملة سياسية هدفها منع مشاركة المسيحيين في القرار الوطني».
الكنيسة الكلدانية بمواجهة « بابليون» .. صراع النفوذ بين الصليب والسلاح في سهل نينوى

نشر في: 21 أكتوبر, 2025: 12:08 ص









