طالب عبد العزيز
كان يوم الخميس 11 تموز من العام 2018 أول يوم عمل لي في راديو تايمس سكوير، المبنى الكبير والجميل، الذي استحدث المستثمرون فيه إذاعة على تبثُّ على موجة الـ أف أم، ثم أنني سمّيت برنامجي(أقول لكم) وكتبت ديباجة المقدمة، هكذا:
"الحياة ممكنة ومتاحة، والعالم طيب وجميل، نقول جملة نستعين بها على ما سيأتي من الايام ، نرتب حرفاً لنظل معاً، نغرس الضوء على طريق القادمين" كانت الخامسة من عصر يومي الثلاثاء والخميس؛ هي موعد بث البرنامج، ولأنني هكذا، فقد كتبت الحلقة الأولى منه عن الرقص.
أردتُ أن أقدِّم للمستمع مادة أحرّض فيها جسده على الرقص، أو كانت محاولة في تحريره من ارتهانة المقدس، الذي حبسه فيه. معلوم أنَّ آدم كان أول الراقصين لحظة لقائه بحواء، هل ينكرُ أحدٌ على أبينا فرحه وسعادته بلقاء أمنا الابهى في المكان الاجمل ذاك؟ ثم عرجتُ على طقوس الزواج المقدس في الموروث الرافديني، فكانت اينانا والإله دموزي، وهما إلها الخصب والنماء في سومر وأور، ومثلها كانت طقوس عشتار وتموز في بابل العظيمة، وهي طقوس مواسم المطر والغرس والحصاد، طقوس الرقص أولاً ثم طقوس التطهير من الآثام.
كان الرفدينيون يرقصون في المعابد والمدينة والشارع والحقل، في احتفالات يشترك فيها الجميع، بما فيهم الكهنة والأطفال ." والنساء
: الآلهة عشتار سيدة الخصب، ومن دونها؛ من دون دموزي؛ لا يتم الاخصاب، فهي سيدة الانوثة، التي كانت تنشد»أنا المعدنُ الحنون، أنا من يدفع الرجل الى المراة ، ويدفع المراةَ الى الرجل، من دوني سيضطجع الرجل وحيداً في غرفته،
وتنام المرأة على جنبها وحيدةً. أما تموز زوجها الشاب؛ فخذوه وغسلوه بماء طهور؛ وضمخوه بالعطر والطيب؛ البسوه عباءة ودعوه يعزف على نايه اللازوردي، ولتحطْ به كاهنات عشتار، يهدّئن من خاطره. وهكذا كن العاشقات الراقصات، في الشرق وبلاد الرافدين عشتار وعشتروت، في مصر وإيزيس ، معات، في اليونان: وافروديت .أوربا، وفي روما القديمة : وديانا، لونا، تيتانيا، في الشرق الادنى: دورنا، تارا، كوادين..
حين تزوج أخي من أمّي (سالم) الذي مات أبوه عنه وهو طفل، وللتعبير عن فرحها كانت أمي قد ارتدت كيساً من الجنفاص(كونيه) أخذت أكثر من كونيّه وذهبت الى الخياطة، ثم أنها طلبت منها أن تصنع لها فستاناً من الجنفاص، فستاناً يليق بفرحها، اردته يوم زواج ابنها سالم، وحين شرعت بالرقص سمعتها تهزج: "هذا نذر العليّه، أريد أرقص بكونيه».
الجسد بحاجة أبدية الى الرقص، وهو فيسيولوجيا بحاجة دائمة الى هذا المعنى من الحركة. الموسيقى مثل الكلام المنشد؛ كلها تدعو الى الرقص. حين خرج الإنسان من الكهف رقص، وحين ضاقت روحه والتجأ الى المعبد رقص، وظل يرقص في البستان، حول زروعه، ثم رقص في المكيد والمسجد والتكية والخانقاه .. هذا الجسد الآدمي ظل يتماهى مع النفس في الرقص، ولا دعارة فيه، الدعارة شيء آخر، كذلك تكون حلقات الذكر وأفراح المواليد والختان والتزويج .. هو يجد متنفسه هناك، يعثرُ على حاجته الكبرى .
كان الانسان الفلاح في بلاد الرافدين وفي مصر وفي كل بقاع الأرض يرقص إذا غرس، ونما غرسه، وكان زرعه وحصاده وفيراً؛ وبعد كلِّ جنيٍّ للتمر والفاكهة يرقص في الفلاح في ابي الخصيب، وبعد إمتلاء جيبه بالنقود يرقص، وإذا اصطاد سمكة كبيرة رقص، وإذا نجح ابنه في المدرسة رقص، وإذا تسرح ابنه من الجندية ذهب في طلب جماعة الخشابة؛ ورقص ، وفي حفل ختلان ابنه يرقص، وإذا تزوج رقص، ولاعب كرة القدم يرقص حين يسجل هدفا في مرمى الخصم. الرقص فعل تصدٍّ ضد الموت.
يرقص البحارة في كل رحلة للصيد، وعند العودة يرقصون، فرحين بسلامتهم من الغرق، يقول زوربا: الرقص تعبير عن الالم .نحن نرقص لأننا نريد إعادة تمثيل تمايل السنابل اثناء الرياح، نعيد تشكيل وقفة البجع على ضفة البحيرة، نعيد صياغة غوص الاسماك تحت الماء، أيتها المرأة الجميلة: خذي رقصك بين يديك، واشفي جسدك، وقوّيه، كما فعل عدد كبير من النساء قبلك، ابدأي بهذه المغامرة العظيمة، واكتشفي الكون في عظمة جسدك، اكتشفي جسدك.











جميع التعليقات 1
كاظم مصطفى
منذ 1 شهر
هذا كان في زمن الناس الطيبين وليس من الناس الذين غسلت عقولهم من اخرين ليس لهم في الفرح والموسيقى والرقص الا كفر وزندقة