TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > الطيور المهاجرة تختفي تمامًا في سماء الأهوار الجنوبية بسبب الجفاف

الطيور المهاجرة تختفي تمامًا في سماء الأهوار الجنوبية بسبب الجفاف

نشر في: 23 أكتوبر, 2025: 12:03 ص

 ذي قار / حسين العامل

 

كشف ناشطون في مجال بيئة الأهوار عن اختفاء تام للطيور المهاجرة في سماء الأهوار الجنوبية، وفيما حذروا من مخاطر الجفاف والمتغيرات المناخية على أنواع من الطيور المهددة بالانقراض، أشاروا إلى استحداث بحيرات اصطناعية في مناطق عراقية جافة لغرض استدراج الطيور وصيدها بطرائق جائرة، وإلى إنشاء أربع بحيرات أخرى في دولة الكويت لأغراض سياحية.

 

وتعد هجرة الطيور حالة مستدامة في أهوار جنوب العراق، حيث تهاجر ملايين الطيور من سيبيريا والصين وروسيا والبلدان الأوروبية إلى مناطق الأهوار في جنوب العراق في نهاية شهر تشرين الأول. وقد اعتاد السكان المحليون صيد تلك الطيور للغذاء وكمورد اقتصادي منذ القدم، إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت تراجعًا كبيرًا في أعداد تلك الطيور نتيجة الجفاف الذي ضرب أكثر من 90 بالمئة من مناطق الأهوار، ناهيك عن مظاهر أخرى سلبية في عملية الصيد كاستخدام السموم والمبيدات الكيمياوية والبنادق والشباك ذات العقد الصغيرة.
وفي حديث لـ«المدى» عن هذا الجانب، قال المدير التنفيذي لمنظمة طبيعة العراق المهندس جاسم الأسدي إن «موسم هجرة الطيور إلى مناطق الأهوار قد بدأ، لكن للأسف يبدو أن هذا الموسم أكثر قسوة من المواسم السابقة على الطيور المهاجرة والمستوطنة على حد سواء»، مشيرًا إلى أن «الطيور في مناطق الأهوار باتت تواجه واقعًا مؤلمًا يتمثل بعدم وجود بحيرات ومسطحات مائية في ظل جفاف واسع يجتاح مناطق الأهوار الجنوبية».
ويرى الأسدي أن «البحيرات الرئيسية في مناطق الأهوار، والمتمثلة ببحيرة أم النعاج في هور الحويزة، والبركة البغدادية في الأهوار الوسطى، وبحيرة أم الطيارة في هور الحمار الغربي، وبحيرات أخرى في الأهوار الوسطى، كلها جفت تمامًا أسوة ببقية مناطق الأهوار». وأوضح أن «المناطق المذكورة كانت ملاذات للطيور المهاجرة، وإن جفافها تسبب باختفاء تلك الطيور من سماء الأهوار»، واستدرك أن «تواجد الطيور في مناطق الأهوار يقتصر حاليًا على أعداد قليلة من الطيور المحلية المستوطنة التي تمكنت من التكيف مع الظروف القاسية».
وأضاف أن «الطيور المهاجرة هي طيور مائية تبحث عن بيئة ملائمة وملاذات دافئة وآمنة، وعندما لا يتوفر لها ذلك تغير وجهتها إلى ملاذات أخرى».
وتطرق الأسدي إلى أنواع الطيور التي كانت تستقبلها مناطق الأهوار في سابق عهدها، قائلًا إن «مناطق الأهوار كانت تستقبل في السابق أعدادًا كبيرة من الطيور المهاجرة من الدول الأوروبية والآسيوية، بحيث رصدنا في عام 2009 (23) نوعًا من طيور الحذاف في بحيرة البركة البغدادية».
وتحدث الأسدي عن أنواع أخرى من الطيور الأوروبية المهاجرة التي كانت تعج بها مناطق الأهوار كطيور الحذاف بأنواعه الصيفي والشتوي، والبجع الأبيض، والإوز، والخضيري، وأبو زلة، والبط السماري، وطيور الشهرمان، وأبو ملعقة، وأبو منجل الأسود، واللقلق الأبيض، والبلشون الجبار، والبلشون الرمادي (مالك الحزين)، والغطاس الصغير، والغطاس المتوج الكبير، وغيرها»، منوهًا إلى أن «من الطيور المهاجرة أنواعًا أخرى مهددة بالانقراض ومدرجة ضمن القائمة الحمراء، وإن جفاف الأهوار سيزيد من المخاطر المهددة لها».
وعن أنواع الطيور المحلية المستوطنة في الأهوار قال الأسدي إن «الطيور المستوطنة تتمثل بطائر البلشون الأرجواني والأبيض، والبلشون الأبيض الكبير، وطيور المهلهل والسميجي، وغيرها».
ويرى الأسدي أن «الطيور المهاجرة غيرت وجهتها من مناطق الأهوار الجنوبية إلى بحيرة الدلمج في محافظة الكوت، وإلى أربع بحيرات أخرى اصطناعية أنشأتها دولة الكويت منذ بضع سنوات باستخدام مياه البحر أو مياه الصرف الصحي التي تجرى معالجتها، وبذلك تحولت المواقع التي كانت عبئًا على البيئة إلى مناطق خضراء تستقطب الطيور وتنشط حركة السياحة البيئية»، لافتًا إلى أن «إنشاء البحيرات الكويتية تزامن مع ذروة جفاف الأهوار التي شهدها العراق عام 2021 والسنوات اللاحقة».
وأشار الأسدي إلى قيام بعض صيادي الطيور باستحداث بحيرات اصطناعية في مناطق جافة واستخدامها لقنص الطيور واصطيادها بطرائق جائرة، لافتًا إلى انتشار مثل هذه البحيرات في مناطق كميت وعلي الغربي ومناطق أخرى في محافظة ميسان، منوهًا إلى أن «الصيادين ينثرون الحبوب في تلك البحيرات لغرض استدراج الطيور، ثم يقومون باصطيادها عبر شباك خاصة أو من خلال بنادق الصيد»، واصفًا ذلك بالصيد الجائر للطيور.
ويرى الأسدي أن «مصادر المياه في مناطق الأهوار انحسرت بصورة كبيرة، وباتت تقتصر على القنوات العميقة وعلى عمود النهر، وهذا غير ملائم لاستيطان الطيور المهاجرة، كونه يعج بحركة السكان المحليين وضوضاء حركة الزوارق، ناهيك عن مخاطر الصيد الجائر ببنادق الصيادين».
من جانبه، أكد رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية، الناشط البيئي رعد حبيب الأسدي، ما ذهب إليه زميله، مبينًا أن «الطيور اختفت من سماء الأهوار بعد تعرض معظم مساحات الأهوار للجفاف»، وأوضح في حديث لـ«المدى»: «خلال جولاتي اليومية في مناطق أهوار الجبايش اصطدم بمشاهد موجعة، فمعظم أنواع الطيور التي كانت تملأ السماء والمياه بالحياة قد غابت»، واسترسل: «لم يتبق سوى أعداد قليلة جدًا من الطيور المحلية التي تكاد تختفي هي الأخرى تحت وطأة الجفاف القاسي».
وختم الأسدي حديثه قائلًا: «مشهد الأهوار دون طيور يشبه القلب حين يفقد نبضه».
بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، كشفت محافظة ذي قار يوم (17 حزيران 2025) عن زحف الجفاف على نحو 90 بالمئة من مناطق الأهوار والأراضي الرطبة، وتسجيل أكثر من عشرة آلاف نازح بيئي، داعية إلى تولي إدارة ملف المياه والمفاوضات مع دول الجوار من قبل خبراء ومختصين، وإلى اعتماد سياسة تقاسم الضرر الناجم عن أزمة المياه.
فيما كشفت مصادر بيئية وحكومية في (أواسط تشرين الأول 2025) عن تراجع خطير في حجم الثروة السمكية في مناطق الأهوار، وأشارت إلى أن أهوار الجبايش التي كانت تسوق نحو 150 طنًا من الأسماك يوميًا تراجعت إلى أقل من خمسة أطنان، وأن 90 بالمئة من صيادي الأسماك فقدوا مصادر دخلهم في المناطق التي ضربها الجفاف.
وفي أواسط تشرين الأول الجاري، كشفت البيانات الرسمية المتعلقة بآثار الجفاف والتغيرات المناخية في محافظة ذي قار عن هلاك أكثر من خمسة عشر ألف رأس جاموس ونحو ألفي رأس من الأبقار خلال ثلاث سنوات فقط، ما تسبب بخسائر فادحة لمربي المواشي، فيما تمثل الدعم الحكومي للتخفيف من الضرر بمبادرة رئاسية تقضي بتجهيز المربين بحصة مجانية واحدة من أعلاف النخالة والمولاس قدرها 45 كيلوغرامًا فقط. وكان مسؤولون محليون ومنظمات مجتمعية في ذي قار قد حذروا في (آب 2023) من ارتفاع معدلات النزوح السكاني الناجم عن الجفاف وشح المياه في مناطق الأهوار والأرياف، مشيرين إلى أثر هذه الحالة على حياة المدن.
وتشكل مناطق الأهوار خمس مساحة محافظة ذي قار، وهي تتوزع على عشر وحدات إدارية من أصل 22 تضمها المحافظة. إذ تقدر مساحة أهوار الناصرية قبل تجفيفها مطلع تسعينيات القرن الماضي بمليون وثمانية وأربعين ألف دونم، في حين تبلغ المساحة التي أعيد غمرها بالمياه بعد عام 2003 نحو خمسين بالمئة من مجمل المساحة الكلية لأهوار الناصرية، إلا أن هذه المساحة المغمورة سرعان ما تتقلص بصورة كبيرة بعد كل أزمة مياه تمر بها البلاد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram