TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الفائزون بالانتخابات العراقية.. وأغنية إسكندر

الفائزون بالانتخابات العراقية.. وأغنية إسكندر

نشر في: 23 أكتوبر, 2025: 12:03 ص

رشيد الخيون

يتنافس في الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة سبعة آلاف وسبعمائة وثمانية وستون مرشحاً، على ثلاثمئة وتسعة وعشرين مقعداً، والناخبون واحد وعشرون مليوناً. وخلافاً لما حصل في الانتخابات السَّابقة، من حجوم عن الانتخاب، من كلِّ طبقات المجتمع العراقي، وخصوصاً في الوسط السُّني، فهذه الانتخابات ستشهد زخماً كبيراً. تختلف نوايا المرشحين، وفي مقدمتها تأتي الامتيازات، ومنها الحضور المذهبيّ، ولا تخلو من مرشحين يسعون إلى نظام مدني في سن القوانين، وإلغاء ما فُرض. أما محاربة الفساد فهي، من المفروض، المهمة الأولى لمن يريده نظاماً منصفاً، وسؤال: «من أين لك هذا؟».
غنّت المطربة العراقية الشهيرة عفيفة إسكندر: «من أين لك هذا؟»، تأييداً لحملة أعلنتها الحكومة العراقية في العهدين الملكيّ والجمهوري في الخمسينيات! فقد اتُّخذت إجراءات، ووزّعت استمارات على كبار الموظفين، يحددون فيها أملاكهم قبل تَسنُّم المناصب. المبدأ شائع في كل البلدان والعصور، للمحاسبة والتحقيق والتفريق، تعتمده الحكومات أو هيئاتها الرقابية لضبط المال العام والمحافظة عليه. والأجهزة الرقابية العراقية الآن أحوج إلى العمل بهذا المبدأ من أي وقت مضى، وذلك لعِظَم الفساد، عبر مشاريع وهمية وتبذير المال العام.
ويُذكر أنَّ أحد نواب البرلمان العراقي طرح فكرة تحديد الأموال الخاصة، أو ما في عهدة كبار الموظفين من وزراء ومديرين عامين، في الأقل، قبل الوظيفة أو المنصب، ليكون ذلك شاهداً على ما زاد على الرواتب والمخصّصات المشروعة، ككسبهم من عقود مع شركة أو صفقة باسم المنصب والحظوة. إلا أنه أُسكت في وقتها، ولم يكرر محاولته. قد لا تستطيع دوائر الرقابة ضبط ذلك، حيث يبدل الراشي والمرتشي الأسلوب على طريقته، الذي أقسم أن لا يتسلم رشوة بيده، فأخذ يفتح الجيب لتُرمى فيه الرشوة، كنوع من التحايل على القَسَم الشرعي!
لكن إشاعة هذا المبدأ وإعلانه عبر أجهزة الإعلام يشجّع المجتمعَ على الإسهام في الرقابة والمحاسبة، كما يُثير لدى الموظفين الهاجس الأخلاقي، والتَّذكير بحجم الجريمة وأثرها خارج نطاق الدائرة، على المجتمع ككل، إضافة إلى الشعور بالمتابعة والرقابة الأشمل. هناك قصص موثّقة أشارت إلى أمانة وحرص كبار موظفي الدولة أيام زمان، سواء من الذين نتفق مع نهجهم السياسي أو نختلف، لكن الأمانة هي الأمانة.
يُذكر أنَّ وزير داخلية في العهد الملكي طالبه معهد الأشعة بنصف دينار (دولار ونصف) مقابل تصوير شعاعي، فكتب مسدداً ومعتذراً. بل إنَّ الملك نفسه تقدم بطلب للبرلمان بزيادة مخصصات ديوانه، ولم يتحقق له ذلك. أما رؤساء الوزراء من الملكيين والجمهوريين، قبل إلغاء منصب رئاسة الوزراء، فلا تجد شائبة مالية على أحد، ظهر ذلك من التحقيقات التي حاول الخصوم لصقها بهم. وكان الحال مشهوراً عن مسؤولين عراقيين من العهدين الجمهوري والملكي، ليس في حساباتهم غير ما يدخلها من معاشاتهم أو رواتبهم.
عموماً، «من أين لك هذا؟» مبدأ أو شعار تاريخي، استخدمه، بالاسم أو نحوه، خلفاء مسلمون وحكام معاصرون، إلا أن وضع العراق الراهن هو الأكثر حاجة لتحقيقه، لما فيه من عنوان ثورة لحفظ المال العام، فكما ترون غداً العراقي مغترباً عن ثروات أرضه، يطفو كوخه فوق بحيرة من النِّفط، وهو لا يؤمِّن قوت يومه!
بينما العابثون في البحيرة، على حد قول أبي دلف، يتصرفون بمنطق: «وإني امرؤٌ كُسرويّ الفِعال/ أُصيف الجبال وأشتو العِراقا». أقول: ليُشرع بإعلان شعار «من أين لك هذا؟» عبر صوت عفيفة إسكندر، الذي ما زال في ذاكرة الإذاعة العراقية وذاكرة الناس: «من أين لك هذا؟ هذا من فضل ربي.. من أين لك هذا؟ هذا مجهودي وتعبي.. ما تُكلي (ما تقول لي) من أين لك هذا؟..»!
لعل الفائزين في انتخابات 11/11/2025 يطلبون سماع هذه الأغنية وبثّها من جديد، للتذكير بعهود النزاهة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram