علاء المفرجي
وُصف فوز المخرج الأميركي المستقل جيم جارموش بجائزة الأسد الذهبي، في مهرجان البندقية السينمائي، الذي اختتم مؤخرًا، عن فيلمه (أب، أم، أخت، أخ)، بأنه غير متوقع، فهو لم يكن من بين المرشحين للفوز بالجائزة الكبرى، فقد رشح العديد من النقاد فيلم (صوت هند رجب) للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، وهو سرد واقعي مروع لمقتل طفلة فلسطينية في الخامسة من عمرها خلال حرب غزة، الذي نال في النهاية جائزة الأسد الفضي.
فيلم جارموش الكوميدي نال إشادة واسعة، وموضوعه هو تأمل في العلاقة المتوترة بين الآباء وأبنائهم البالغين. ينقسم فيلم جيم جارموش (أب وأم وأخت وأخ)، الذي حشد فيه مجموعة من نجوم الصف الأول في السينما الأميركية، مثل: توم ويتس، وآدم درايفر، وكيت بلانشيت، وشارلوت رامبلينج، وغيرهم، الى ثلاث قصص قصيرة تقع في مواقع متعددة (الولايات المتحدة، وآيرلندا، وفرنسا).
جيم جارموش، الذي صنع شهرته في الثمانينيات بأعمال غير تقليدية ومنخفضة الميزانية، مثل (أغرب من الجنة) و(مسجون تحت القانون)، يعد أحد أهم صانعي السينما المستفلة في أميركا، الذي لطالما تميّز بأسلوبه الفريد، لكنه يأتي بفيلم رقيق وجميل، فريد ومُتقن كفيلم (الأب، الأم، الأخت، الأخ)، فيُذهلنا بهدوء.
فكاهة لطيفة
يعمل جارموش في هذا الفيلم على نهجٍ مشابه لفيلمه (باترسون) عام 2016، إذ يقدم صورةً تأمليةً للمتع اليومية، ووسائل الراحة البسيطة في حياة سائق حافلة من نيوجيرسي، وشاعرٍ في وقت فراغه، التي يؤديها آدم درايفر بصراحةٍ آسرة.
في كلا الفيلمين، يتخلص جارموش، ولاسيما في فيلمه هذا، من الانعزالية الساخرة والفكاهة الرتيبة التي كانت جزءًا من بصمته في أفلامه السابقة التي أكسبته مكانةً بارزةً على خريطة الأفلام المستقلة الأميركية.
لا تزال الفكاهة جزءًا لا يتجزأ من أسلوبه السينمائي، لكنها فكاهة لطيفة، وملاحظةٌ عابرةٌ تقريبًا، وحتى في أكثر حالاتها لاذعةً، لا تُصدر أحكامًا أو تُبالغ في تقدير الآخرين.
في فيلم آخر، قد يُضفي المتزلجون على اللوح لمسةً من الإثارة؛ هنا، ينزلقون داخل وخارج كل مقطع، متفاعلين لدقيقة أو دقيقتين كعلامات ترقيم راقصة، وغالبًا ما تُضفى حركتهم شاعريةً في حركة بطيئة ساحرة.
الجزء الاول يبدأ بمشهد الأب، حين ينطلق الأخ والأخت، جيف (درايفر) وإميلي (مايم بياليك)، اللذان تبدو علاقتهما متوترة وحذرة للغاية لدرجة لا توحي بقربهما، الزيارة أشبه بتحقيق لا جدوى منه، إذ يهيمن جو من الشعور بالفجوة العاطفية، فيما تبقى صورة الأب، وهو ينهار عند جنازة الأم، حاضرة .
الجزء الثاني، (الأم)، تجسد فيه شارلوت رامبلينج دور كاتبة إنجليزية باردة الأعصاب تعيش في دبلن، حيث انتقلت ابنتاها – تيموثيا المتزمتة (بلانشيت)، وليليث ذات الشعر الوردي والطفلة الجامحة (فيكي كريبس) – لتكونا أقرب إليها، ومع ذلك تزورانها مرة واحدة سنويًا لتناول شاي ما بعد الظهر. تصل الأختان من منطقتين مختلفتين في المدينة، تيم، كما تُدعى، بعد عطل في سيارتها، وليليث في سيارة تقودها صديقتها الآيرلندية المرحة جانيت (سارة غرين).
وبطريقة ما في جعل الحوار السينمائي متقشفًا بين الشخصيات، كمحاولة منه لإعطاء الشرعية لكل ما هو عادي وعابر وزائر، تشكل رهانه الكبير في بناء الصورة في مخيلة المشاهد.
وبحسب آراء النقاد والصحافة العالمية، فإن الفيلم لا يخرج عن أسلوب جارموش في الكتابة والإخراج، فهو يفكك العائلة ويطرح من خلالها مجموعة من الأسئلة الفلسفية، كما يحرص في تصويره على الاكتفاء بالإيماءات وتقليل حدة الحوارات وعدم الدخول في التفاصيل الصغيرة التي تجعل الصورة السينمائية، أحيانًا، تفقد فلسفتها وعمقها وجمالياتها..









