TOP

جريدة المدى > سياسية > مركز دراسات: الحماس الشعبي غائب وسط ازدحام الشوارع بالملصقات الانتخابية

مركز دراسات: الحماس الشعبي غائب وسط ازدحام الشوارع بالملصقات الانتخابية

نتائج الانتخابات ستُستخدم لإعادة توزيع النفوذ بين النخب الحزبية

نشر في: 23 أكتوبر, 2025: 12:08 ص

 ترجمة: حامد أحمد

تناول تقرير لمعهد تشاتام هاوس (Chatham House) للدراسات في لندن مؤشرات الجو العام لانتخابات العراق البرلمانية المزمع إقامتها الشهر المقبل، مشيرًا إلى أنه على الرغم من امتلاء الشوارع بلافتات الحملات الانتخابية، فإنه من المتوقع أن يبقى كثير من العراقيين داخل بيوتهم بعد أن خاب أملهم في قدرة الانتخابات على تحقيق تغيير، عقب عقدين من التجربة الديمقراطية، مؤكدًا في الوقت نفسه أنها أصبحت أداة لإعادة توزيع النفوذ والمناصب بين النخب الحزبية الراسخة أكثر من كونها استفتاءً على أداء الحكومة.
ويشير تقرير تشاتام هاوس إلى أن نتيجة هذه المساومات قد تختبر استقرار العراق الهش، فالبلاد تدخل الانتخابات في لحظة هدوء نادرة تقوم على «اتفاق هش بين النخب» يقوم على مقايضة الإصلاح بالاستقرار. فإذا جرت العملية بسلاسة، ستؤكد مجددًا نمط «الاستقرار المُدار» في العراق من خلال دورة جديدة من المنافسة داخل النظام نفسه. أما إذا شعرت بعض الفصائل بعدم توازن في تقاسم النفوذ أو حاولت كسر الترتيبات القائمة، فقد يؤدي حتى اضطراب مؤقت إلى اهتزاز التوازن الهش في البلاد.
ويؤكد التقرير أن من سيحصل على أصوات أكثر ليس بالضرورة أن يتمكن من تشكيل حكومة، حيث إن «الكتلة الأكبر» التي سيكلفها رئيس الجمهورية المنتخب لا تعني بالضرورة القائمة التي فازت بأكبر عدد من المقاعد، بل التحالف الأكبر الذي يتشكل بعد الانتخابات، ما يجعل عملية تشكيل الحكومة خاضعة لمفاوضات طويلة ومعقدة بين الأحزاب.
وعلى الرغم من أن النظام لا ينصّ صراحةً على تقاسم السلطة على أساس طائفي أو عرقي، فإن الواقع السياسي لا يزال محكومًا بالنظام الطائفي الذي تأسس بعد عام 2003، إذ أصبحت السياسة مرتبطة بالهوية، حيث يصوّت الشيعة للأحزاب الشيعية، والسنة لأحزاب سنية، والأكراد لأحزابهم القومية. وبموجب اتفاق غير مكتوب مستمر منذ عام 2005، يكون رئيس الوزراء شيعيًا، ورئيس الجمهورية كرديًا، ورئيس البرلمان سنيًا عربيًا. ويشير التقرير إلى أنه قبل عشرين عامًا كانت الانتخابات الأولى تتسم بوجود تحالفات كبرى محدودة، مثل الائتلاف العراقي الموحّد الذي كان يمثل جميع القوى الشيعية الكبرى، والتحالف الكردستاني لجميع الأطراف السياسية في كردستان، وكتلة التوافق للأحزاب السنية. أما اليوم فقد تفككت تلك الكتل الموحدة إلى مجموعة من القوائم المتنافسة. وتشهد انتخابات 2025 وجود 31 تحالفًا، و38 حزبًا سياسيًا، و75 مرشحًا مستقلًا.
ومن رحم الائتلاف العراقي الموحّد خرجت الآن عدة كتل شيعية متنافسة، من بينها: ائتلاف الإعمار والتنمية، ودولة القانون، وصادقون، ومنظمة بدر، وتحالف القوى الوطنية. وتشكل هذه الأحزاب معًا ما يُعرف بـ«الإطار التنسيقي الشيعي»، وهو مظلة تضم القوى الشيعية التي دعمت السوداني في البداية. ورغم خوضها الانتخابات على قوائم منفصلة، يُتوقع أن تتحد مجددًا بعد الاقتراع لتشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان. في المقابل، يقاطع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر هذه الانتخابات.
في الماضي، كان السياسيون العراقيون يستثيرون الولاءات الطائفية أو القومية لتعبئة مؤيديهم عبر إقناع الناخبين بأن «ابن طائفتهم أو قوميتهم» هو وحده القادر على حماية مصالحهم. أما في السنوات الأخيرة، فقد برزت حركات احتجاجية تطالب بإنهاء هذا النظام الطائفي وتستخدم خطابًا مدنيًا إصلاحيًا.
وفي انتخابات 2025، ومع انخفاض الإقبال الشعبي، تتميز المنافسة بكونها معركة مالية؛ فالأصوات تُكسب عبر الإنفاق والوظائف والهبات، لا عبر البرامج السياسية. والذين سيقصدون صناديق الاقتراع ليسوا غالبًا مواطنين أحرارًا، بل منتمين إلى شبكات حزبية أو مستفيدين من النظام القائم.
ويُقدَّر أن تكون هذه الانتخابات «انتخابات المليارديرات»، كما وصفها أحد الخبراء في ندوة لمعهد تشاتام هاوس، إذ باتت الانتخابات استثمارًا مربحًا للنخب: فكل مقعد يُترجم إلى نفوذ سياسي وفرص مالية خلال مفاوضات ما بعد الانتخابات، حيث يتم تقاسم السلطة والموارد. ومع القيود الأمريكية الأخيرة على القطاع المصرفي العراقي، ضخّ العديد من الأثرياء أموالهم داخل البلاد، بما في ذلك في المجال السياسي، ما جعل الانتخابات فرصة استثمارية أخرى.
كما انتشرت أشكال جديدة من شراء الأصوات، إذ كُشف عن وجود سوق سوداء للبطاقات البايومترية تُباع فيها البطاقة الواحدة بنحو 100 دولار. ويتلقى الناخب نصف المبلغ مقدمًا والنصف الآخر يوم الاقتراع مقابل التصويت لمرشح محدد أو الامتناع عن التصويت.

من يبقى في البيت: ولماذا الإقبال على التصويت منخفض في العراق؟
يشير التقرير إلى أنه منذ المشاركة القياسية التي بلغت نحو 80٪ في كانون الأول 2005، شهدت نسب المشاركة انخفاضًا مطّردًا، ما يعكس تشكيكًا عامًا في جدوى التصويت لتغيير من يحكم أو كيف يُحكم. وغالبًا ما تبالغ الأرقام الرسمية في تقدير المشاركة، إذ تُحتسب نسبة التصويت من عدد الناخبين المسجلين فقط، وليس من إجمالي البالغين المؤهلين للتصويت، وكثير منهم لا يسجلون أصلًا. ففي عام 2025، من أصل نحو 30 مليون ناخب مؤهل، سجّل فقط 21 مليونًا، أي أن الثلث تقريبًا خارج الإحصاء الرسمي.
بالنسبة لكثير من العراقيين غير المنتمين إلى شبكات السلطة، يبدو النظام السياسي غير تمثيلي وغير مستجيب. فعلى الرغم من عشرين عامًا من الوعود بالإصلاح، ما زالت الحياة اليومية تتسم بالحرمان وسوء الخدمات، ويستمر العراق، رغم ثروته النفطية الضخمة، في تصنيفه من أضعف الدول في تقديم الخدمات وأشدها فسادًا. ويؤكد التقرير أن النظام الانتخابي العراقي بعد عام 2003 قد صُمّم لمنع عودة الدكتاتورية ولضمان تنافس سلمي وتداول للسلطة كل أربع سنوات. وكان الهدف أن تتيح الانتخابات موازنة دورية في التمثيل السياسي وتكريس التعددية، وأن يضمن التمثيل المتنوع عبر الطوائف والقوميات الاستقرار السياسي. لكن بعد عقدين، تحوّل هذا النظام إلى نظام تنافسي مغلق، حيث تستمر الانتخابات دون ديمقراطية حقيقية، فقد استحوذت النخب نفسها على المؤسسات، وجرى تسييس الأجهزة الرقابية والقضائية، بينما جرى قمع أدوات المساءلة الشعبية كالتظاهرات والنقابات والمجتمع المدني عبر الترهيب أو الاحتواء.
وعلى المدى القريب، من غير المرجح حدوث تغيير جوهري في بنية النظام، فالإطار التنسيقي سيواصل لعب الدور المركزي في اختيار رئيس الوزراء وتوزيع المناصب التنفيذية، وسيبقى التيار الصدري لاعبًا مؤثرًا من خارج السلطة، بينما تسعى الأحزاب الكردية والسنية إلى تعويض خسائرها السابقة وزيادة حصتها من النفوذ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

اتهامات
سياسية

اتهامات "القتل" و"الاجتثاث" تغير نتائج الانتخابات في اللحظات الأخيرة

بغداد/ تميم الحسن بعد مرور نحو شهر على الانتخابات التشريعية الأخيرة، ما تزال "مقصلة الاستبعادات" مستمرة، لتعيد خلط أوراق القوى السياسية الفائزة. فقد ارتفع عدد المرشحين الفائزين الذين جرى "حجب أصواتهم" أو "إبعادهم" أو...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram