طالب عبد العزيز
بإجماعٍ شبه مطلق، يرى العربُ والعراقيون أنَّ قضية بسيطة مثل الجنس هي قضية محورية في العقل الديني المسلم. يتضح ذلك من خلال مئات الأحاديث والفصول والبحوث في الرسائل العملية لكبار العلماء والمحدّثين، وهي أكبر من قضية في العقل السياسي المسلم اليوم. وقد لاحظنا كيف قاتلت الكتلُ والأحزاب الدينية، الشيعية على وجه التحديد، على إقرار قانون الأحوال الشخصية رقم (10) لسنة 2025 الخاص بالتصديق على «مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية على وفق المذهب الشيعي الجعفري»، بخلاف مقاتلتها لإقرار عشرات القوانين التي تمس جوهر ومستقبل الحياة في البلاد، مثل الخدمات والاقتصاد والفساد وملاحقة المال المسروق وغير ذلك.
ولا يُفهم من مقاتلتها تلك حرصٌ على المجتمع والمرأة العراقية، إلا بالقدر الذي يؤمّن لها (الكتل) ممارسة القدر الأكبر من إشباع الغرائز، وإلّا فكيف يقبل المُشرّع (الإنسان) بزواج القاصرات من بناته وشقيقاته؟ الأمر الذي ترفضه الحكمة والقوانين المدنية التي تراعي قضية البلوغ الجسدي والعقلي. طيّب، هل في إقرار هذا القانون حلولٌ لقضية الأحوال الشخصية العراقية، التي تعاني المحاكم بموجبها مشاكل لا تُحصى جراء تزايد حالات التفريق وما ينجم عنها من حقوق الزوجة والأطفال والإسكان؟ قطعًا لا. ترى لماذا هذا الإصرار؟ نرى أنَّ العقل التشريعي العراقي المسلم مريضٌ في نقطة عميقة ما بداخله، لا يستطيع الشفاء منها، إذ من غير المعقول عدم حساب موجبات التشريع مع النتائج المتأتية منه.
لكن، في ملاحظة عقلية بسيطة، نجد أنَّ تشريع زواج المتعة عند الشيعة إنما جاء لأسبابٍ وحاجاتٍ معينة، منها النقص في عدد الرجال المسلمين بسبب الحروب والطواعين، الذي نجم عنه ازدياد عدد النساء الأرامل واليتامى، أو عزوف الرجال عن الزواج لأسباب مادية واجتماعية. وهو من حيث المبدأ حلٌّ شرعي عالج قضية إشكالية (الجنس). وكذلك الأمر في المذهب السني الذي استحدث تشريعات لأنكحةٍ منقطعة مثل الزواج العرفي والمسيار وغيرها، وهي حلول يجتهد الفقيه فيها لمعالجة حالة مجتمعية لم تكن من قبل، أو ما يسمّيها هؤلاء «المستحدثات». حتى إنَّ أحد الفقهاء في مصر أباح القبلة بين الطلاب في الجامعة بقوله: «همّا بيبوسوا بعض».
ما يعلمه الجميع، وبينهم السياسي والبرلماني والقانوني المسلم، الشيعي والسني والكردي، لا يبتعد عن حقيقة كبرى مفادها أنَّ ما يحدث في الأمكنة السرّية والمكاتب والبيوت والغرف الخاصة، البعيدة عن الأنظار في بغداد والمحافظات، أكبر مما يحدث في المراقص والملاهي ومحلات المسّاج المعلنة. كلها تفصح عن عالمٍ آخر، مختلف عن أي مكانٍ ثانٍ، تُقام فيه أجمل العلاقات الجنسية بين الذكور والإناث، خارج تلك التشريعات، وتُشرب فيه ألذُّ أنواع الخمور والأنبذة، وتُؤكل فيه أطايب الأطعمة، ويُتحدث فيه عن مشاريع وصفقات بيوعٍ وعلاقاتٍ سياسية، وتُستحصل منها نتائج غاية في الأهمية. هناك جملة أفكار وطروحات تخصّ حاضر ومستقبل البلاد، وكل ما يخصّ مستوى التعليم والصحة والمال والخدمات، وهي في غاية الأهمية. لكن كلَّ ذلك يجري بسرية شبه تامة، ولو استُثمر بعقلٍ واعٍ حكيم، لتحققت منه نتائج كبيرة.
كان حديثُ أحدِ المحللين السياسيين عن تخفيض سعر علبة البيرة من 5000 إلى 500 دينار، الذي أثاره مواطنٌ متحمس لقضية الانتخابات، محطَّ تندّرٍ عند كثيرٍ من العراقيين. لكنه يكشف عن المضمر وغير المصرَّح به في أكثر من مفصلٍ من مفاصل الحياة. ما يحدث في أروقة السياسة والتشريع والقوانين والأعراف لا يمتّ بصلة إلى الواقع العراقي. هناك تجاهل غبيٌّ واستهتارٌ بحياتنا، ليس أقله قضية الجنس والخمور، وليس أكثره موقف الأمريكيين من قضية نزع أسلحة الفصائل.










